فيروس “MZIWDAHAMRA”..!

admin
كتاب واراء
admin16 أكتوبر 2023آخر تحديث : منذ 7 أشهر
فيروس “MZIWDAHAMRA”..!

عبد اللطيف مجدوب

أقصوصة تستمد أحداثها الواقعية من أوساط شاب مهووس بالإبحار عبر الشبكة العنكبوتية وطرق مواقع ساخنة، وأحيانا ذات خطورة جد عالية، تفضي به أنامله النحيفة حينا إلى دنوه من أسرار أو بالأحرى أزرار جهنمية في ملكية دولة نووية عظمى!

بداية البحّار الأزرق

كان مشاكسا متنمرا، دوما في عراك مع أبناء حارته؛ تذوق شراب الدخان منذ وقت مبكر، كما تعرض للطرد المدرسي وهو لا يزال ابن عشر سنوات، لضبطه أكثر من مرة يفسخ المواسير أو يعطل التيارات الكهربائية داخل الحجرات الدراسية.

تعاطى؛ في البداية؛ إلى افتراش الأرض وبيع قطع غيار الأدوات الكهربائية، ثم انقلب عنها إلى عمليات إعادة ضبط الأجهزة (Flashing) الخاصة بالهواتف والحواسيب، بإحدى “الجوطيات” (الأسواق الشعبية) التي تضيق بها مدينة الدار البيضاء.. كان لا يعرف للكلل معنى، فيظل سحابة يومه عاكفا على فحص هواتف وحواسيب قديمة تؤثث جنبات عشّته؛ زاده قهوة سادة وعلبة سجائر “ماركيز”، كلما فرغ من “إصلاح” قطعة مالَ إلى سيجارة ليعبئ منها نفسا عميقا قبل أن يُردفه برشفة قهوة باردة.

تواضَع معلمي (الجوطية) على مناداته بـ”البحَر”، فإذا فشل أحدهم في الاهتداء إلى فك رمز هاتف أو حاسوب، أوصى صاحبه بعرضه على “البحر”، فطبقت شهرته أوساطا امتدت إلى خارج “الجوطية”، وأصبح بعد حين مختصا في بيع عروض القنوات الفضائية المشفرة، وبأثمنة زهيدة؛ يرفعها أحيانا إلى مائة درهم، كلما كانت هناك تظاهرة رياضية دولية، من عيار كأس العالم.

العثور على “كنز

دأب “البحر” كعادته على استقبال كميات كبيرة من الأجهزة الإلكترونية المستعملة؛ يحرص أصحابها على تصفيتها من فيروسات؛ كم مرة أقلقت راحتهم وعطلت تواصلهم، وذات يوم، عند منتصف النهار؛ توقفت سيارة “هوندا” محملة “بخردة إلكترونية”، تختلط فيها أجهزة عتيقة بقطع غيار ورُزم من أشرطة الربط والاتصال، فحفّت بها جوقة من الفضوليين؛ يعاينون ويستفسرون ويتغامزون ويلغطون… فطار صداها إلى مسامع “البحر” ، فنهض من فوره وقصد “الهوندا”، وألقى بنظراته الثاقبة على قطع الخردة، فلاحظ من بينها؛ وجود حاسوب، عزَفت الأيدي عن ملامسته، إما لقدمه أو أعطاب ما تعاني منه أحشاؤه، أخذه وجعل يقلبه بين يديه، متأملا لوحة مفاتيحه والتي بدت له مغايرة عن كل الأصناف التي سبق له أن تعامل معها.. فنادى صاحب الخردة، والذي بدا من سحنته من الذين يتصيدون “الفضلات الإلكترونية” متنقلا بين البلدان والأسواق:

البحَر: “… شوفْ آلخاوا… واشْ هدا البيسي خدّام..؟”

صاحب الخردة: “ماعرفْش.. واش خدام ولّا لا.. أنا كنبيع”

البحر: “وخّا نجربوه..؟”

ص.خ: “لا سيدي.. دبّر راسك عندك 200 درهم… بسم الله.. ماعندكش حطّو.. راني باغي نتفك ونمشي بحالي..”

البحر: “هاكْ .. ردلي 50 درهم.. نجرّب زهري منّا لبْحر..!”

ص.خ: “.. والله مانزولو ليك… بلّاتي.. بلّاتي نجيبلك لبوشيتا اديالو”.

زاد اهتمامه به، وهو يحاول فك رموز كتابات دقيقة؛ بدت باللون الأصفر على حقيبته، لم ينمْ تلك الليلة، أخذه إلى جانب سريره وأعد ورقة؛ شرع يدون عليها خيارات كل مفتاح من مفاتيح أزراره، والشركة الروسية التي أنتجته وموقعها…

ظل ليومين كاملين في بيته عاكفا، لا شغل له سوى مزيد من النبش في أوصال هذا الحاسوب الروسي، وفي لحظة ما تهللت أسارير وجهه، وعمد إلى سيجارة، منتشيا، وكأنه اهتدى إلى فك لغز ما.. فقد تمكن من الوصول إلى خطاطته (Schima)، ومن ثمة الوقوف على مفتاح “القن” (code)، فكّ شيفرته التي وجدها تتركب من 31 وحدة رمزية؛ بين أرقام وحروف وترقيمات، إلا أن الولوج إلى شبكته العنكبوتية وجده عصيّا؛ لا يقبل بالشبكات الوطنية “National Network”.

طمس الهوية

لم يدُرْ في خلده قط الاستعانة بأحد في فك لغز شبكته العنكبوتية، فقد ظل سرا حبيس صدره مخافة انكشاف موقعه، بيد أن فضوله قاده أخيرا إلى ملفات معلوماتية ضخمة؛ على جانب كبير من السرية والخطورة، ولم يمض على تحيينها أكثر من ثلاثة أشهر.

سأل؛ في البداية؛ عن صاحب الخردة.. فأرشدوه إلى أحد زبنائه، فربط به الاتصال، وجرى استجوابه:

البحر: ” .. أخاي… لاباس عليك… أنا مول البيسي لصفر..”

ص.خ: “.. ياكْ لاباس… واش اخدمليك..”

البحر مقاطعا” .. غير اسمحلي.. واش شريتيه فالبالي… ولّا”

ص.خ، مقاطعا: “.. مشريتوش… اجْبرتو فالقمامة.. اديال واحد الروسي… فبلجيكا، ديما الڤيلا اديالو عامرا بالسيارات لبلايك صوفر…”.

البحر: “وما زال كيخرّج القمامة ؟..”

ص.خ: “..لا.. الفيلا مسدودة.. هدي شي 3 اشهور ..”

البحر ملحا: “.. مسدودة… ربما امْسافر ..”

ص.خ: “يمكن… ولكن الفيلا مسدودة بالشمع الأحمر..!” .

أغلقه وأعاده إلى الحقيبة، ناويا أن يرفع عنه يده إلى حين، بيد أن تشغيله عبر الشبكة المحلية ظل هاجسا، لازمه أنى راح وارتحل، وقد عنّت له فكرة تشغيله بقمره الصناعي سبوتنيك “Sputnik” لكنه عدل عنها مخافة الكشف عن موقعه وتعرضه للتصفية بعد أن تأكد له أن الحاسوب ينتمي إلى المخابرات الروسية “GRU”، وهو الرمز الذي يسم كل ملفاته، تردد كثيرا في عرضه عن سفارة أو قنصلية روسية؛ في هذا البلد أو ذاك؛ مقابل عمولة تخلصه من براثن الفقر.. لكن قرّ رأيه على ألا يفعل.

الخطر الداهم

في جوف الليل؛ بينما كانت أنامله تتراقص على أزراره؛ إذا به يقف على ملف أحمر مؤشر بعلامة (Top secret) داخل جمجمة عظمية (💀)، فأدرك لتوه أنه بصدد سر عظيم، حاول فتحه بطرق آمنة لكيلا يضيع منه، فقد كان يعلم مسبقا أن ملفات؛ بهذا الحجم من الخطورة؛ تمتلك حساسية مندمجة؛ كلما كانت هناك محاولة فاشلة لفك شفرته تحوّل آليا إلى صفحة بيضاء!

أخيرا، ساعفه الحظ لفك مفتاحه، ولكم كانت دهشته وهو يقف على أخطر فيروسات؛ كانت الاستخبارات الروسية تستخدمها لتعطيل أو التشويش على أحد أقسام البنتاغون “The Pentagon”، فيروسات بأسماء روسية ذات قدرة هائلة على تدمير المعطيات Data مهما كانت أحجامها.

عاودته الفكرة القديمة بعرض الحاسوب؛ بهذه الحمولة الاستخباراتية؛ على السفارة الأمريكية، أو الاتصال في شأنه مباشرة بالبانتاغون.. لكن صادف أن كان ذات يوم عابرا بأحد الشوارع فهاله توقف المارة وتتبعهم لصور على الشاشة؛ كانت لمقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وتعرض موكبها الجنائزي للضرب والتنكيل وعربدة القوات الإسرائيلية.. حينها انطفأت الفكرة في دماغه وتحولت إلى جمرة خبيثة.

مضى زمن، ليس باليسير، انقطعت فيه أخباره عن “الجوطية”، وتساءل الزبناء عما سيكون قد لحق بـ (البحر) وراء هذا الغياب، وخلف تجاهله للاتصالات التي كانت تنهال عليه صباح مساء… وحتى يضع حدا لكل الشائعات المغرضة، تفاجأ رواد “الجوطية” ذات صباح بوجود (البحر) داخل محله عاكفا كعادته على الشرائح والمعدات الإلكترونية… فكان يرد على كل من ألح عليه في سؤال غيبته بأن:

“الله ينجيكم… واحد لمزيودا حمرا.. هي اللي خلتني فالفراش هدا المدة كلها..”

فيتلقى الردود بالتوالي:

“لا.. لا.. باينا عليك.. ضعافيتي بزاف.. آش بينك وبين شي حرور..”

” يا لاطيف… أنا اللي عارف الحرور.. واشْ بعدا عندك الصحة ادْيالو ..؟!”

فيروس “LAMZIWDAHAMRA”

عند مطلع الفجر من أحد أيام دجنبر الباردة؛ قرر الشروع في تنفيذ فكرته الرهيبة، فبعد أن نجح في فك ارتباط الحاسوب بالقمر الروسي سبوتنيك وتحويله إلى الشبكات الوطنية؛ صار في مقدوره؛ وتبعا للمواقع السرية الاستخباراتية التي يحتفظ بها الحاسوب؛ أن يتجول بأنامله ونظراته داخل مقرات عديدة، أغلبها مرتبطة بوزارة الدفاع الأمريكي…

في دهاليز البنتاغون

علَتْ جلبة وفوضى داخل إحدى الردهات بقسم التجسس العالمي وراحت مؤشرات شاشاتها تترنح بين ألوان حمراء وصفراء.. أعقبتها صفارات إنذار؛ دوّت في كل الأركان، استنفرت مجموعة من الخبراء والتقنيين، لزموا مقاعدهم، وهم يتابعون؛ بذهول واندهاش؛ زحف جسم غريب في شكل حبة فلفل حمراء تترنح في مسارات أعمدة الأقسام… حاولوا سدى تبيانه وتطويق حركته، فوجدوه أشبه بالزئبق غير قابل للإمساك به!

اجتمعت على عجل خلية أزمة طارئة ضمت إليه خبراء في الاستخبارات المركزية “CIA”. كان مبنى البنتاغون برمته يعيش حالة طوارئ قصوى؛ كل الخبراء يبحثون عن فيروس مقاوم، كانوا يخشون من التخريب الكلي الذي قد يتسبب فيه هذه (الفلفلة)، لكن؛ وفي زمن قياسي؛ اهتدوا إلى اسمه (MZIWDAHAMRA) وراحوا يبحثون عن مصدره، فلاحت لهم نقطة حمراء في حجم حبة عدس… تومض وتومض بأقصى جهة شمال إفريقيا… وبعد ربطهم الاتصال بقمر صناعي خاص، تأكد لديهم أن الهدف قار ليس به حركة…

يسدل الستار على

يسدل ستار الأقصوصة على وجومٍ؛ يسود وجوه أرباب “الجوطية”، حينما علموا بغياب (البحر)؛ استمر أكثر من شهر.. رغم محاولاتهم للعثور، وأخذت الحوقلة تتناقل على ألسنتهم، وأحيانا يردفونها بعبارات:

“وقيلا… الحرور العبْ به..”

“يمكن …يكونْ ارجع لذيك المسخوطا اديال الفلفلة… ولعْبت به”

“المحل اديالو مشدود… واشْ غايكون حتى صاحبو.. مشدود..؟! “.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.