قراءة في كتاب “العبودية المختارة” ل Étienne de LA BOÉTIE.. يصبح الناس مستعبَدين حين ينسون الحرية ..

admin
2022-04-21T02:49:03+02:00
كتاب واراء
admin21 أبريل 2022آخر تحديث : منذ سنتين
قراءة في كتاب “العبودية المختارة” ل Étienne de LA BOÉTIE.. يصبح الناس مستعبَدين حين ينسون الحرية ..

ليست العبودية أن تكون أسود البشرة أو فقيرا ليتحكم فيك السيد. العبودية أن تنساق نحو براثين الاستعباد بمحض إرادتك وتنسى الحرية، وهو أمر يتعارض مع طبيعة البشر، فيصبح استعباد الشعوب طوعيا .. لابد من البحث في أسباب الاستبداد في السلوك الفردي .. للانعتاق والحرية وهو أمر لا يحتاج لاستعمال العنف .. العبودية ليس إخضاع الجسد، بل خضوع الفكر للمستبد والارتماء في أحضانه، ومنحه القوة التي تضمن حياته .. ومن الناس من يستلذون الاستعباد، ومنهم من يولد عبدا لنه وجد آباءه على تلك الحال .. وتبقى الفئة الواعية المثقفة وحدها تتوق للحرية والمستقبل الأفضل، لكن تجد معارضة وخذلانا من طرف الجماهير والشعب الذي تتلمس له الحرية في عتمة الطغيان ..

  • الكاتب

ولد إتيان العام 1530م في سارلات قرب بوردو وسط أسرة اشتغلت بسلك القضاء، من والده إلى عمه الذي كان كاهنا وقاضيا. درس الإنسانيات والنصوص اليونانية واللاتينية القديمة، ثم درس الحقوق. تقلب في عدة مناصب، كمستشار في برلمان بوردو وعمره 23 سنة، وقد كان له دور في وضع حد للحرب التي ظلت دائرة بين الكاثوليك والبروتستانت. ألم به مرض السل الذي قضى على حياته سنة 1563. 

  • الكتاب 

عبارة عن نص سياسي، مقالة، لصاحبه Étienne de LA BOÉTIE، لم ينشر إلا بعد وفاته من طرف صديقه مونتاني. كتبها سنة 1547 ولم يتجاوز من العمر سن 18. 

المقالة عبارة عن مرافعة ضد الاستبداد، وخضوع الشعوب لسلطة حاكم لا يملك من القوة إلا ما توفر له. ارتبطت بما شهده عصر الكاتب من قمع واضطهاد بسبب الاختلافات الدينية والحرب الأهلية التي نشبت بين الكاثوليك والبروتستانت.

يقع كتاب LE DISCOURS DE LA SERVITUDE VOLONTAIRE OU LE CONTR’UNفي 52 صفحة من الحجم الصغير. نُشر باللاتينية، عام 1574، ثم باللغة الفرنسية عام 1576. وللإشارة فإن عدد الصفحات يتغير حسب الطبعات ودور النشر. 

ترجمه للعربية صالح الأشمر، عن دار الساقي، بيروت، سنة 2016

تطرح المقالة شرعية الأسياد الطغاة، وكيف بلغوا مراتب السلطة؟ ومن أين يستمدون القوة؟ بالوراثة أو الانتخابات، وبالتالي الهيمنة والتسلط. الشيء الذي يؤدي حتما لخلق العبودية، والخوف، والخضوع. الجواب فيما يثيره الكاتب حيث يطرح مسألة يمكن اعتبارها إشكالية، هل العبودية قسرية؟ ويجيب أنها عكس ذلك تماما، فهي طوعية تماما. تبدو الطاعة مفروضة على مستوى الظاهر، إذ كيف يمكن تصور تسلط فئة قليلة على بقية أفراد الشعب الذين يشكلون أغلبية، فينصاعون ويخضعون لهذه الفئة القليلة؟ الواقع أنه لا يمكن لأي قوة أن تفرض هيمنتها، ولو بالسلاح، إلا إذا وجدت القابلية والخنوع من طرف المستعبدين. الحرية تكمن في التخلص من خدمة سلطة الاستبداد والاستعباد، حيث يتم إشراك فئة من المستعبَدين للتحكم في بقية القطيع، فينالون الفتات والامتيازات. هؤلاء يمكن تسميتهم بالخدام، يتولون مواقع مختلفة في أجهزة ودواليب الدولة. سمة الخدام التملق والطاعة للأسياد، وهم بذلك يختارون العبودية طواعية، أما باقي الشعب فهي تفرض عليهم. لكن هنا لابد من مخالفة الكاتب، صحيح أن الخدام اختاروا العبودية بمحض إرادتهم، أي بسيكولوجية العبيد، إنما همنا فئة واسعة من الشعب تختار الصمت والخضوع، وتبقى فئة قليلة هي التي تتولى الاحتجاج والوقوف في وجه الطاغية. لأن هذا الأخير يعيش في خوف دائم حتى من أقرب الناس إليه. يخاف أن يفقد مصدر سلطته. وقد ساق المؤلف أمثلة كثيرة عن مصير العديد من الطغاة منذ العصور القديمة. 

كيف يتسنى لشخص إخضاع شعب برمته؟

     يرى المؤلف، من خلال الانزلاقات خارج التاريخ، لأن المجتمع الذي يسارع لخدمة الطاغية لابد وأن هناك خللا تاريخيا قد حدث أدى بسقوط شعب ما في براثين العبودية وتخليه عن حياة الحرية. إنها عملية تشويه لصورة الإنسان الذي ولد ليحيى حرا. بل هو يتخلى عن الحرية للطاغية ثم ما ينفك يتوق لها، ويسعى لاستعادتها. هناك لحظة تاريخية ما حصل فيها هذا الانقلاب من الحرية نحو العبودية، وهو انتقال عرضي تشكل مع ميلاد الدولة، وهو امر مشروط وليسا حتميا. العبودية بهذا المعنى تتعارض مع الطبيعة، يقول المؤلف، إن الله خلقنا سواسية، أو بالأحرى إخوة، والمجتمعات متكافئة، ولا أحد يتحكم في الآخر. العبودية هي أن ينسى الناس الحرية، ويتعودون على العيش في بيئة تسود فيها سيطرة فئة قليلة على البقية من الشعب. هكذا تولد الأجيال في بيئة العبودية، أو لنقل أنه يولدون عبيدا.

وجود الطاغية رهين بوجود شبكة من خدام الطغيان، هم الذين يؤسسون لهذه القوة التي تؤدي للعبودية، فيكون لهذه الشبكة من الخدام تنظيم هرمي ومتضامنة فيما بينها.

  •  الحرية المتخلى عنها

الناس هم من يتخلون عن الحرية بشكل طوعي، فيأخذها منهم الطاغية المستبد، وبعدها يستسلمون له في خنوع، ويقبلون على خدمته بكامل إرادتهم، بل يتمادون في خدمة هذا الطاغية. هذا الأخير يمكن أن يتخذ مواقع شتى، من حاكم إلى رئيس مباشر في العمل، إلى رجل دين، إلى مدير في مؤسسة … المستعبدون (فتح الباء) مستعدون لتقديم حياتهم من أجل إرضاء الطاغية، فهم عن غير وعي، لا يدركون أن الطاغية يستمد قوته وحياته من استعبادهم وعبوديتهم، لهذا يشترط عليهم الطاعة ولو باستعمال العنف. هكذا يخلص الكاتب إلى أن التخلي عن الحرية لا تفسير له. سؤال يبقى عالقا. بل إن العبودية وعدم المساواة أمر يتم إعادة إنتاجه من جيل لآخر، فيستمر الوضع إلى ما لا نهاية، لأن الطاغية يتقوى ويكبر، وبالتالي يترسخ في ذهنية الشعب، ليصبح واقعا وحقيقة. فيصبح الاستبداد نموذجا للهيمنة.

يلجأ الطاغية لعدد من الأساليب، بين الترغيب والترهيب والتحايل والكيد والتآمر والتلفيق …، لإضعاف الناس، منها التسلية ووسائل الإعلام، والمهرجانات، والرياضة، والشائعات، والقوانين، والمخدرات … ولهذا الغرض يحتاج الطاغية لمن يعمل على تنزيل هذه الأساليب، أي إلى الخدام الذين يتفانون في ترويض الشعب وإخضاعه … ويضرب الكاتب هنا مثلا بالمسارح القديمة، والمصارعة، وتوزيع الميداليات، واللوحات الفنية، والجداريات، والمجسمات، التي هي في الواقع تعويض عن الحرية المفقودة، وهي سبل لتهدئة العبيد بواسطة وسائل للترفيه … الخطب أيضا، حول الصالح العام، أو خطب رجال الكنيسة والدعوة لعدم تدنيس المقدسات، مستغلين الجهل المتفشي بين الناس للهيمنة عليهم، وبث الخرافات … استعمال الدين ليس كما أراده الله، وإنما كما أراده “رجاله” لخدمة مصالحهم التي تخدم مصالح الطاغية وتضمن استمراره.

  • الإيديولوجيا والتسلية لن تنطلي على المثقفين والفئة المتيقظة من الجماهير ..

أولائك الذين لهم حس مفعم بالحرية، المتشبعون بعبر التاريخ، وحدهم يعون الحاضر لاستشراف المستقبل، يعملون على تصحيح الوضع بفضل العلم والمعرفة. هكذا مهما بلغ استبداد الطاغية لابد وأن يكون هناك من يقاومه. لكن المقاومة الحقيقية لا تتلخص في الطاغية المستبد، بل في الخدام، تلك الفئة الأخطبوطية التي تتعاظم وتتقوى، فتصبح أغلبية لها مصلحة في استمرار الاستبداد. من هنا يلخص Marcel Conche في كتابه ” La Boétie penseur masqué, Paris, L’Harmattan, 2007″، هرم المصالح بقوله: “يستبد الطاغية بفضل سلسلة من المستبِدين المستبَدين، بلا شك، لكنهم يستبدون بدورهم”. وبهذا المعنى، برى الكاتب أن هؤلاء الخدام، أو الحاشية، أو البطانة، أقل حرية من الشعب المضطهد، لأنهم يفعلون ما يؤمرون به، وي نفس الوقت مجبرون على التفكير في أساليب ووسائل إخضاع الشعب والحفاظ على مصادر قوة الطاغية، وبالتالي إرضائه.

  • ما السبيل للخلاص من العبودية؟

يؤكد الكاتب على مشكلة العادة، والتي يتوجب الخلاص منها، لأن في ذلك خلاص من العبودية نحو الحرية. فالذي عرف الحرية لا يتخلى عنها إلا بالقوة، مثل الاحتلال، أما الذي وجدوا آباءهم يعيشون العبودية، فحتما سيعيشونها بحكم العادة. أو بقول آخر أنهم يولدون عبيدا وينشؤون حسب الوسط الذي هم فيه. يقول La Boétie، “لن تندم أبدًا على ما لم يكن لديك من قبل”. الواحد من هؤلاء يبدو وكأنه فقد إرادته متوجها نحو العبودية طواعية، كما لو ان يعيش تحت تأثير مخدر أو سحر، فالطاغية لا يستعبد الناس إلى بموافقتهم وإرادتهم.

د. محمد حماس

(كاتب، باحث في التاريخ والتراث. المملكة المغربية)

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.