وكالات بتصرف
يعتبر اللعب من أبرز المقومات التربوية في حياة الطفل وعملية حيوية في مختلف مراحل نموه لدوره في بناء شخصيته وإبراز قدراته وتطو ر مفهومه الاجتماعي خصوصا في الفضاءات المفتوحة والمشتركة، لكن هذه الحاجة الفطرية تعترضها هواجس الخوف من التعرض للتحرش أو الاعتداء الجنسي.
في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، تلقي الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، الضوء على كيفية حماية الأطفال من التحرش والاعتداء الجنسي في الفضاءات العامة.
نص الحوار..
ما رأيكم في حرمان بعض الآباء أطفالهم من اللعب في الفضاءات المفتوحة أو الخاصة بسبب الخوف من التحرش أو الاعتداء الجنسي، لا سيما إذا تعذر عليهم مرافقتهم؟
لا يمكن حرمان الأطفال من مساحة اللعب ومزاولة الأنشطة لأنها أمور أساسية في نمو شخصية الطفل، لكن على الآباء أن يتحملوا كامل مسؤوليتهم في مرافقة أبنائهم. هذه الحماية يجب أن تستمر بشكل حثيث ودائم إلى حدود عشر سنوات؛ حيث تترسخ في هذه المرحلة القيم والتربية على المخاطر التي من الواجب على الآباء تثبيتها في ذهن الطفل حتى يتمكن من خلالها من حماية نفسه، ورفض أي إغراءات أو استدراج خصوصا في زمن اتخذت فيه جرائم الاغتصاب بعدها الإلكتروني، وتوفرت إمكانية ولوج الأطفال لعالم الأنترنيت. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من قضايا اغتصاب الأطفال التي حدثت بالمغرب كان من أسبابها إهمال الآباء واستخفافهم بمسؤولياتهم تجاه أطفالهم.
ماهي سبل حماية الأطفال من الوقوع ضحية للاغتصاب أو التحرش الجنسي؟
أولا: على الآباء أن يتأكدوا من أن الأماكن التي يتواجد فيها الطفل تتوفر فيها شروط الأمان والإضاءة وضمانات اللعب الآمن.
ثانيا: عليهم أن يتحلوا باليقظة في مراقبة أبنائهم سواء وسط المحيط العائلي أو خارجه، ومعرفة أسباب نفور الطفل من بعض الأشخاص، وفحصه بذكاء ، والانتباه للآثار غير العادية على ملابسه والتغيرات الطارئة لديه سواء الحركية منها مثل صعوبة المشي أو الجلوس، أو السلوكية والنفسية كالعدوانية المفاجئة، والتبول اللاإرادي والحزن المستمر، وانخفاض تقدير الذات، والعزوف عن القيام بأنشطة أو الذهاب للمدرسة، والتغير المفاجئ في شهية الطعام، وضعف التركيز وغير ذلك.
ثالثا : التأكيد على ثقة الأسرة الدائمة بالطفل والاستعداد اللامشروط لحمايته من أي خطر، هذا من شأنه أن يمنحه الجرأة على البوح بمخاوفه ودواعي قلقه ، إلى جانب تربيته على الحوار والحرص على معرفة كيف قضى الطفل يومه والأشخاص الذين رافقهم، مع اعتماد الحكي كأداة أساسية في العلاقة معه.
رابعا: تنبيه الآباء لأطفالهم بعدم الثقة في الغرباء واعتماد المسافة بين الأجساد من خلال “تقديس مفهوم الجسد” وعدم كشفه لأي شخص كيفما كانت وضعيته وعلاقته بالأسرة، وتعليمه رفض أي تحرش من أي كان وعدم تعويده على الطاعة العمياء لمن هم أكبر منه سنا، وتعليمه بطريقة تمثيلية مبسطة كيفية الصراخ وقول لا إذا اقترب منه أي أحد بشكل غير مريح.
خامسا : ضرورة حجب السلطات الأمنية للمواقع الإباحية المختصة في الأطفال للحد من انتهاك براءة الأطفال، وعدم فسح المجال لمضطربي السلوك الجنسي للمزيد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال واتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الباب على غرار ما فعلت دول كروسيا وإنجلترا والصين واسكتلندا وغيرها .
ماهي السمات النفسية للمغتصب وكيفية معالجتها ؟
بالرغم من وجود سمات شخصية مشتركة بين مغتصبي الأطفال، إلا أن هناك فروقا فردية تستدعي الدراسة وتقاسم المعلومة مع عموم المواطنين من أجل إذكاء الوعي في صفوف الآباء والمعلمين والمواطنين بشكل عام لتوفير الحماية المناسبة للأطفال. وتقسم الدراسات والأبحاث النفسية السريرية مغتصبي الأطفال إلى ثلاثة أصناف:
الأول يتعلق بالذين يصنفون في خانة الاضطرابات الشخصية، لأن هؤلاء يعانون من ازدواجية اضطراب السيكوباتية وفي بعض الأحيان اضطراب الجنس؛ إذ يتصف هؤلاء بالتمرد على القواعد الاجتماعية وبذلك يفتقدون لتأنيب الضمير ولأي إحساس بالتعاطف مع الآخر. كما يتصفون بالاندفاعية واللامبالاة وعدم تقدير عواقب الاعتداء الجنسي على الطفل. ولكون السادية تعد من بين أعراض السيكوباتية كاضطراب نفسي، فإن آلام الطفل وصراخه ومعاناته واستعطافه له تمنحه شحنة نفسية يبحث عنها، وبالتالي فإنه يستمر في اعتدائه على الطفل.
والصنف الثاني يتعلق بالأشخاص الذين تعرضوا للاغتصاب في مرحلة الطفولة، فإذا لم يعرضوا أنفسهم للعلاج والمواكبة النفسية تصبح حادثة الاغتصاب لديهم عبارة عن خبرة نفسية لا واعية تدفع الشخص للانتقام من الشخص الذي اعتدى عليه في شكل اغتصاب طفل آخر ، بحيث لا يكون الهدف هو إيذاء الطفل، لكن المعتدي يعاني من تداخل خبرات الماضي بمعاناة الحاضر التي تصاحبه ليل نهار، وهذا أحد تجلي معاناته النفسية من خلال اعتدائه على الطفل. ولعل وقائع ما عرف بسفاح تارودانت الذي كان يغتصب الأطفال ثم يقتلهم خنقا ويدفنهم في كوخه ثم ينام على رفاتهم، من أبشع الأمثلة الواقعية على ذلك.
الصنف الثالث، هم الذين يكتشفون المتعة الجنسية أو حتى الوصول إلى الشبق الجنسي مع الأطفال على الخصوص ، وذلك من خلال الإدمان على الأفلام والمواقع الإباحية المختصة في الجنس مع الأطفال والتواصل مع أشخاص بيدوفيليين يتباهون بما يقومون به، أو متابعة تجارب أشخاص ذوي هذا السلوك الشاذ ، وتلقي تشجيعات من هذه الأوساط ، حيث يعزز “نجاح” محاولته الأولى، رغبته في الاستمرار في هذا السلوك الشاذ سعيا منه للحصول على وهم اللذة كما تخيلها أو شاهدها أو ح كي له عنها، ولو بالاعتداء على الطرف الآخر. وبالتالي فإن الحد من ظاهرة التحرش واغتصاب الأطفال ينبغي أن يتم من خلال مقاربة مزدوجة تشمل قوة القانون والردع وكذا المقاربة العلاجية النفسية.