محمد عيسى العدوان-مدرسة جديدة – في التوثيق وإدارة التأهيل التحليلي التاريخي..

admin
كتاب واراء
admin31 مايو 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
محمد عيسى العدوان-مدرسة جديدة – في التوثيق وإدارة التأهيل التحليلي التاريخي..

الكتابة التوثيقية هي المنارة التي يستطيع معها العقل أن يجتاز الفراغات المعرفية، حيث أن هنالك نظرية تقول، أنه لا يوجد ما يسمى فراغاً كاملاً، فكل فراغ يجب أن يتم تعبئته إما بالحقيقة أو بالتدليس والكذب، وفي مجال تاريخ الشعوب وأحداث الأمم هنالك من كتب تاريخه الخاص عن الحُكم ، أو التاريخ الإجتماعي أو الإقتصادي وهناك من كتب تاريخه السياسي والوطني ، حتى لا يتركه لعبث الآخرين.

فالتوثيق التحليلي يخضع لمعايير متعددة قد يكون من أهمها الإحاطة بالجغرافيا، والثقافة، وربط الأحداث، ومعرفة التواريخ والنتائج، فهم القواعد الناظمة لإتخاذ القرارات، وعي وإدراك وفهم للمصالح والحقوق والواجبات، مستودع ذهني حاضر من المعلومات والمعارف، مع الجزم بأن موضوع الحياد هو موضوع شخصي فليس الحياد دائماً يكون محل حمد وتقدير، ففي بعض الأوقات التي تستلزم إيضاح الحقائق وتبينها يكون الحياد سلبياً، لا بل يكون جريمة بحق المعرفة والحقيقية.

أن تكتب تاريخاً بشكل علمي أكاديمي ، ربما هو أمر طبيعي يمكن أن يقوم به أي مؤرخ أو مهتم بكتابة الاحداث التاريخية، وجهودهم مشكورة محترمة ومقدرة، لكن أن تعمل على تقديم التوثيق من خلال التحليل للأحداث التاريخية السياسية، بالأخص من خلال المقارنة والتعدد للروايات لهذا التاريخ  بشكل يقدم احداثه كما كانت بتجرد أولا، وثانيا بفهم لهذه الأحداث وربطها مع الواقع والتأثير، لأن القرار والحكم عليه يخضع للرغبة، والقدرة، والسيطرة، والإمكانات، والتقبل، والبيئة والظروف، وعوامل القوة، والممكن، والمستحيل، والمقاومة، والثقافة الجمعية، والأهم المعلومات، لأن توفر المعلومات هو الذي يمكن صاحب القرار من التكيف والإدراك وصناعة القرار المناسب، وهذا هو الشيء الأهم والأصعب، لأن تقديم التاريخ – أي تاريخ – ربما تتدخل في نسج حبكته مسائل الهوى، والرغبات، والميول، والإسترضاء، والطموحات، وحسابات الثواب والعقاب، الأمر الذي ربما يؤدي إلى فقدان أو تجاهل بعض الدلالات والحقائق والمواقف التاريخية المهمة عن قصد أو بغير قصد.

هذه هي المدرسة الجديدة التي اختطها الأستاذ محمد عيسى العدوان – رئيس مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية المدير العام الاسبق لمركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي من خلال اطلقه مشاريع التوثيق المعرفية التي تميز بها على مدى خمسة وعشرون عاما من عمله الذي كان حافل بالمشاريع والابتكار والابداع.

فقد اطلق الأستاذ العدوان مشروع التوثيق الوطني العام 1998 خلال عمله في مشروع التوثيق الالكتروني بمتحف الحياة السياسية لعهد الملك المؤسس ، ثم أستكل ذلك بانتقاله إلى متحف الشريف الحسين كمنتدب متخصص في التوثيق ، وما تبع ذلك من عمله كمدير لمركز الدعم الوطني للتوثيق التابع لجامعة الدول العربية .

إلا أن النقلة النوعية التي أسهمت في صقل موهبة الأستاذ محمد عيسى العدوان كانت من خلال عمله كمنتدب مدني في قيادة الحرس الملكي الأردني الخاص بالديوان الملكي الهاشمي بعمان ، وهي مؤسسة عسكرية تبنت وربما تكون الوحيدة في العالم كمؤسسة عسكرية تتبنى فكر الاستفادة من التوثيق والدراسات ، من خلال منح الأستاذ العدوان من العام 2002 وحتى العام 2005 المساحة والدعم المعنوي والمساندة للقيام بتنفيذ مشروع التوثيق الوطني ، وهي الفترة التي كانت كافية ليؤسس الأستاذ العدوان مدرسته في إدارة نشر المعرفة عبر التوثيق والتحليل ، الذي تتلمذ فيها على يد استاذه المؤرخ المغربي المرحوم (عبد الوهاب بن منصور) لسنوات متعاقبة ، ثم أتم ذلك من خلال اهتماه بكل منتج أبن حزم الاندلسي ، في التعامل مع الإدراك والرشد والعقل في التحليل وصياغة المعرفة.  

حيث اطلق الأستاذ محمد عيسى العدوان مشروعه الطموح نحو اعادة التعامل مع التاريخ من خلال التوثيق التحليلي ، وهذا كله بحاجة إلى أرضية صلبة يقف عليها ، فكان له ذلك من خلال العمل على اطلاق مشروع التوثيق الوطني منذ العام 1998 ، فقام أولا بأنشاء أول مستشفى لترميم المخطوطات والوثائق متكامل في الأردن ، ثم بتدريب شباب أردني على أعمال الترميم والتوثيق من خلال أدخال هذا العلم إلى الأردن بشكل تعلمي مهني فني – وكذلك العمل على الدمج ما بين الترميم والتوثيق والارشفة الالكترونية لتكون ضمن وعي وفهم يقود إلى المعرفة ، وليس فقط مشروع مخزني لحفظ التراث ، ليشمل كل ذلك من خلال أطلاق مشاريع في غاية الاهمية وهي :-

أ‌-    مشروع ترميم وتوثيق سجلات الأراضي والأملاك في الأردن وفلسطين التاريخية لسجلات منذ العهد    العثماني العام 1840م– وهي سجلات – عثماني/إنجليزي/أردنية – ملايين الوثائق وآلاف السجلات.

ب‌-    مشروع ترميم وتوثيق السجلات الشرعية النفوس والزواج والطلاق واحوال الناس- في المحاكم الشرعية الأردنية والقدس منذ العام 1850 وبعدد أكثر من 7 آلاف سجل.

ت‌-    مشروع ترميم وتوثيق المخطوطات في الكنائس الارثوذوكسية في الأردن.

ث‌-    مشروع ترميم وتوثيق سجلات ووثائق أول مدرسة في الأردن الحديث –العام 1923 – مدرسة السلط الثانوية- وبعدد تقريبا  700 الف وثيقة وسجل في سنة واحدة ، حيث تم الإنجاز وتسليم المشروع بالكامل لوزارة التربية الأردنية ومؤسسة أعمار السلط ، و شمل المشروع – ترميم – توثيق – أرشفة – حفظ.

ج‌-    مشروع مبادرة متخصصة لتحويل الميكروفلم في – جامعات – (مؤتة/اليرموك/آل البيت) وهي الجامعات الأردنية المهمة والتي تقدم خدمات بحثية من خلال المكتبات ، فتم تحويل الميكروفلم إلى الشكل الإلكتروني ، مما سهل على الطلبة الحصول على المعلومات ، وكذلك فقد تم تحويل ميكروفلم الصحف الأردنية  (الدستور و الرأي ) إلى الشكل الإلكتروني ، وكذلك موجودات مؤسسة عبد الحميد شومان من الكتب والدراسات إلى الشكل الإلكتروني – حيث احضر الأستاذ العدوان جهاز خاص من دولة الامارات العربية – مركز جمعة الماجد – وتم تدريب شباب أردني على ذلك – وتم أنهاء المشروع بالكامل .

ح‌-    مشروع التحول الرقمي التكنولوجي من خلال تنفيذ أول مشروع توثيق الإلكتروني في الأردن على شكل بانوراما (برنامج مالتي ميديا) عن تاريخ الأردن  لفترة من عام 1916-2006 يشمل توثيق كامل عن الأردن بالوثائق والصور والافلام.

8-      مشروع  المحافظة وتوثيق (مليون وثيقة) من الوثائق السيادية لرئاسة الوزراء الأردنية / يقوم هذا المشروع على ترميم وتوثيق وحفظ –  المعاهدات والاتفاقيات والوثائق المحفوظة في رئاسة الوزراء ، حيث بدء العمل بمبادرة شخصية من الأستاذ العدوان ، وبتعاون راقي من الرئاسة الاردنية ، في الفترة من العام  2008 ، انتهى المشروع وسلم العام 2009.

9-     كما عمل الأستاذ العدوان في المحيط العربي فقام بإطلاق مشروع ترميم وتوثيق المخطوطات الاندلسية في الخزانات العامة  في المملكة المغربية لكل من –فاس-مكناس-طنجة-تطوان-الرباط-مراكش وقد كُرّم الأستاذ العدوان من جلالة ملك المغرب الملك محمد السادس حفظه الله – بوسام العلوي الشريف نتيجة قيام الأستاذ العدوان بتدريب وأنشاء معمل ترميم وإنجاز المشروع في عامين وتنفيذ المشروع بأيدي أبناء المغرب.   

10-    كما عمل الأستاذ العدوان عل إعداد خطة العمل للحصول على شهادة الايزو بمبادرة شخصية حيث حصل مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي على شهادة الايزو في العام 2008 – كأول مركز عربي  والوحيد الحاصل على شهادة الايزو في مجال الترميم والتوثيق والحفظ الالكتروني الحديث في مجال نشر المعرفة حتى عام 2018.

11-    كما عمل الأستاذ العدوان على مشروع استرجاع الوثائق العربية من الأرشيفات العالمية حيث قام باسترجاع 127 مجلد يحتوي كل مجلد على اكثر من 500 وثيقة تخص –الأردن-بلاد الشام –الحجاز –فلسطين. وذلك  العام 2007- من الأرشيف البريطاني.

لقد قدم الاستاذ محمد عيسى العدوان في هذه المدرسة الجديدة في التوثيق واعادة التعامل مع التاريخ رؤيا مهمة بتقديمها على أنها منتج معرفي وليس منتج مخزني كما هو سائد في الكثير من مؤسسات الارشيف والحفظ ، وذلك نظرا لأهمية هذا المورث المعلوماتي المهم عربيا وانسانيا ، وبما يؤكد على التميز في التعامل مع الاحداث ليس للتباكي ولا للتباهي ، ولكن للفهم والإدراك والرشد ، فالمدرسة التي أسس لها الأستاذ العدوان اتت ثمارها بشكل عملي فهذه وثائق (حي الشيخ جراح) في القدس ، بعد أن تم ترميمها في عمان من خلال مشروع التوثيق الوطني ، كانت اليوم سنداً للفلسطينيين في معركتهم الحقوقية مع اسرائيل وتوسعها الاستيطاني ، وكانت أيضا علامة فارقة في حفظ الحقوق والموروث الثقافي والاجتماعي والحقوقي وحتى التاريخي للعرب بشكل عام ولفلسطين وأهلها بشكل خاص ، ضمن وعي بأهمية التوثيق ، وتقدير لخطورة واهمية هذه المشاريع ومخرجاتها في اعادة كتابة التاريخ ، وتقديم فكر جديد ومدرسة حديثه في فن التعامل مع الوثائق على أنها منتج معرفي واستراتيجي وإدارة للازمة وليس كما تقدم على أنها متحفيه مخزنيه أو تاريخية.

الأستاذ العدوان قدم أيضا إلى جانب كل ذلك العديد من المؤلفات التوثيقة مثل كتاب “مذكرات امة ” وكتاب “التلفيق والتوثيق فلسطين واخرون حرب عام 1948” وكتاب “لعبة الامم وإدارة العقل العربي وثائق وصفي التل” وكتاب مئوية الدولة من خمسة اجزاء تقديم لفكر عقل الدولة الاردنية السياسي وكتاب “رد الصحيح على تلفيق ماري ولسُن الصريح”، التي ربما تكون مختلفة عن المؤلفات التاريخية حيث تضمن كل كتاب من كتب الأستاذ العدوان صور وثائق تساند ما يقدم من معلومات وحقائق لا تركن إلى السمع والقال والقيل،  بل تؤسس لمدرسة مهمة هي مدرسة التوثيق التحليلي ، التي أصبحت اليوم من أهم مرتكزات الفهم والإدراك ، والتي يعول عليها الاعداد لوعي وأعاده تأهيل للعقل العربي الجمعي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,, 

بقلم.

 أ. د :– خالد العدوان – مدير مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.