هل بدأت عروش العولمة تتهاوى بتسرب بعض وبائياتها؟

admin
كتاب واراء
admin1 أبريل 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
هل بدأت عروش العولمة تتهاوى بتسرب بعض وبائياتها؟

عبد اللطيف مجدوب

العولمة وبناتها!

بفعل ثقل السنين والضغوطات الرهيبة التي أصبح يعيشها إنسان الألفية الثالثة، بدأ هذا الأخير يجني ثمار فلسفته وتوجهاته المركزية في الحياة؛ بعد أن وجد نفسه مضطرا؛ لعوامل عديدة؛ إلى تفويض أمره بكامل الصلاحية إلى الاقتصاد وحده، بوصفه الدينامو المحرك لعجلة التطور وكل أدوات التنمية، مع إبقائه فقط على القطاعين الاجتماعي والسياسي في خدمة السيادة الاقتصادية، وهكذا؛ وفي أقل من ثلاثة عقود؛ تغولت رؤوس أموال هذه السيادة، وأفضت إلى ظهور مؤسسات وشركات اقتصادية متعددة الجنسيات، أمكنها وفي ظرف وجيز من هيمنتها على كبريات اقتصاديات العالم، بوأها هذا الموقع لأن تتربع على خيرات وكنوز العالم، وتتحكم في سياساته واقتصادياته، ومن ثم الدّوس على كل القيم التي لا تدين بولائها إلى الاقتصاد المعولم Globalized Economy، بما فيها القيم الإنسانية الخيرة والتي؛ هي الأخرى؛ تسربت إليها عدوى العولمة فأصبحت لأغراض نفعية محدودة.

بيد أن الرأسمالية المتوحشة وتكالبها على مزيد من المكتسبات، وحرصها الشديد على نشر قيمها أفرزت؛ في العشر سنوات الأخيرة؛ نوعا من الصراعات الإقليمية المحمومة، وإن كانت العولمة الأم هي التي تذكي فيما بينها حرارة الصراع بغرض الهيمنة على مزيد من الأرباح والامتيازات، أو العمل؛ في اتجاه آخر؛ على شل حركة مؤسسات أخرى وتكبيدها خسائر بالمليارات، إن لم ترضخ لشروط العولمة الأم وتتنازل لها عن القيادة.

هذه الصراعات والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، صارت معروفة باسم “وبائيات العولمة” Globalization Epidemics، أو ما بات موصوفا ببنات العولمة؛ نذكر منها :

ــ الوباء الاقتصادي <<< أزمات خانقة والاستهلاك السريع؛

ــ الوباء السياسي.. <<< صراعات وحروب؛ واستغلال؛

ــ الوباء التكنولوجي <<< اختراقات الأنظمة؛ فيروسات رقمية؛

ــ الوباء النووي.. <<< تسرب أشعة الأفران والمدافن النووية؛

ــ الوباء البيولوجي <<< تلويث البيئة؛ ظاهرة تسونامي؛ نقص المحاصيل الزراعية؛

ــ الوباء الاجتماعي <<< اتساع الفوارق الاجتماعية، المجاعة؛

ــ الوباء الجرثومي <<< فيروسات منها كوفيد ـ 19.

الإنسان في نظر العولمة

هناك مفاهيم راكمتها العلوم الإنسانية، أتت عليها رياح العولمة لتقتلعها من جذورها، وتبقي على المنتوج الاقتصادي والإنسان كوحدة استهلاكية في خدمة المنتوج الاقتصادي، مع امتلاكها لأدوات تنميط حياته واتجاهاته وطموحاته، من خلال الميديا الرقمية وتلبية حاجياته الآنية والمستقبلية، إلا أنها لا تعير لنتائج خطواتها أي اعتبار، إلا إذا تعلق الأمر بمدى فعالية توجهاتها وآثارها على السلع والأسواق والأسعار والأرباح.. أما قضايا الفقر واتساع هوة الفوارق الاجتماعية والبطالة.. فهي؛ من منظورها؛ مجرد أدوات للمنافسة ومجالات لتحفيز قوى اقتصادية أخرى للحاق بها، وكأنها تعمل تحت شعار “البقاء للأقوى” Survival of the strongest، لا يهم ما إن كان ستتسرب عنه أزمات وظواهر كارثية، كالمجاعة ونقص في المحاصيل الزراعية والتلوث وبروز ظاهرة تسونامي أو كورونا فيروس.

وهذا ما لاحظه العالم؛ وفي غمرة سعير الفيروس وانتشاره بكل بقاع الأرض؛ وعلى ألسنة الحامين لنظم العولمة، وهم يسارعون إلى إطلاق التصريحات والنداءات المدوية بضرورة ضخ مليارات المليارات، ليس لحماية الإنسان وسبل إنقاذه من الوباء بل للحيلولة دون انهيار الشركات الاقتصادية العملاقة أو بالأحرى عروش العولمة، والعمل على استعادة عافيتها ونشاطها وهيمنتها.

هل يتجه العالم إلى نظام عالمي جديد؟

بعد خفوت آثار الهزة الكونية العنيفة التي أحدثها دوي كوفيدـ19، من المؤكد أن العولمة ستنهض من غيبوبتها أو بالأحرى من كبوتها وتحاول لم شتاتها وأشلائها من جديد وتعود لتتسيد الاقتصاد العالمي، وهذا ما بات مكشوفا للعالم؛ من خلال حملة تكثيف الاتصالات بين شركاء الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي بزعامة فرنسا التي حذرت بعض شركائها في دول الاتحاد من مغبة السماح بقبول المساعدات الصحية التي عرضتها الصين وروسيا، في إطار مكافحة فيروس كورونا.

بعض خبراء الاقتصاد والمال ما زالوا يرجحون فرضية بقاء العولمة واستعادة عافيتها بعد نكبة كوفيدـ19، ويبنون تخميناتهم على أرقام هيمنة نظام العولمة على أكثر من 95% من الموارد الطبيعية التي تختزنها الأرض، علاوة على سبقها وريادتها في المجال التكنولوجي، ومراقبتها لكل الأقمار الاصطناعية، إلى جانب اللغة الإنجليزية التي ما زالت تحتل الأرقام الأولى في ميادين البحث العلمي والدراسات والكشوفات العلمية وسبر أغوار الفضاء الكوني.

لكن؛ مقابل هذا التوجه؛ هناك توجه آخر مناهض لنظام العولمة، يعمل على تكسير شوكتها من خلال قيام تجمعات وشراكات اقتصادية إقليمية في كل من آسيا وأمريكا اللاتينية، بيد أن آثارها حتى الآن باتت محدودة لضعف مواردها الاقتصادية من جهة وغياب وجودها في الأسواق الدولية من جهة أخرى.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.