هل حفرت أوروبا قبرها في المغرب؟

admin
كتاب واراء
admin27 يناير 2023آخر تحديث : منذ سنتين
هل حفرت أوروبا قبرها في المغرب؟

 

نزار بولحية

يتحدث الأوروبيون عن حقوق الإنسان، لكن حينما يتعلق الأمر بمصالحهم فإن حديثهم يختفي. وبالطبع فإن شخصا مثل سيرغي لافروف يدرك ذلك جيدا، ومع أن وزير الخارجية الروسي لن يقول على الأرجح لمضيفيه المغاربة، حين يحل بعد أيام بينهم: انظروا لما يفعله بكم من اعتبرتموهم أصدقاءكم وشركاءكم الأوروبيين، إلا أنه سينتهز الفرصة، بلا شك، ليمد يده للرباط ودعم ما اعتبرها الأربعاء الماضي في مؤتمر صحافي في موسكو «خططا طويلة الأمد مع المغرب». ومن البداهة أن ذلك ربما يثير قلقا نسبيا في واشنطن، حتى إن أدركت حدوده لكنه سيعتبر في هذا الظرف بالذات صفعة رمزية على وجه بروكسل، بعد أن صوّت البرلمان الأوروبي الخميس الماضي وبأغلبية كبيرة على قرار يدعو الرباط إلى «احترام حرية التعبير وحرية الإعلام» و»ضمان محاكمة عادلة للصحافيين المسجونين» و»إنهاء مضايقة الصحافيين في البلاد».
وقد يقول قائل وما علاقة هذه بتلك؟ والجواب هو أن الخيوط واحدة، فهل كان أولئك البرلمانيون يتوقعون أنهم سيضعون المغرب في زاوية ضيقة، وأنهم سيشددون عليه الخناق، وسيجعلونه يذعن بسرعة وسهولة لما طلبوه منه؟ أم أنهم كانوا يدركون جيدا وفي قرارة أنفسهم أن ضغطهم كان بلا طائل، أو جدوى وأنه أشبه بالرصاصة الفارغة التي لا حظ لها في كل الأحوال في أن تصيب هدفها؟

الانفتاح المغربي على الصين وروسيا، والتوغل داخل القارة الافريقية المعقل التقليدي للقوى الاستعمارية الأوروبية بات يثير قلق جهات في بروكسل

لقد فضّل المغاربة التريث قبل التعليق، لكن ذلك لم يمنع مسؤولا في خارجيتهم من أن يعتبر في حديث لموقع «اليوم 24» الإخباري، أن القرار «يندرج في خانة الاعتداءات والمضايقات التي تتعرض لها المملكة من الذين يضايقهم نمو وازدهار البلاد وحضورها القوي في محيطها الإقليمي والدولي»، وأن يضيف بعدها أن «الجهات التي تعادي المغرب داخل البرلمان الأوروبي تملك أجندة معروفة وتتجاهل حقوق الضحايا، وتشكك في النظام القضائي المستقل»، على حد تعبيره. والأمر مريب فإن كان النواب الأوروبيون قد تحركوا من تلقاء أنفسهم وبوحي من ضمائرهم، وبدافع الحرص فقط على تغليب المبادئ على المصالح، فما سر تركيزهم على بلد مثل المغرب، في الوقت الذي تحصل فيه في محيطه وفي أماكن أخرى خارج محيطه، انتهاكات أشد من تلك المنسوبة له؟ وما تفسير الانتقائية التي يظهرونها حين يبدون مشاعر قلقهم وانزعاجهم من وضع حقوق الإنسان في الضفة الجنوبية للمتوسط في دولة محددة دون أخرى؟ إن ما سيقوله كثيرون هنا هو أنه حتما وراء الأكمة ما وراءها. لقد وقف النائب الفرنسي تيري مارياني من حزب التجمع الوطني اليميني، على سبيل المثال، ليقول بعد التصويت على ذلك القرار: «تعتقدون أننا نجتمع لإدانة بلد ينتهك حقوق الإنسان أو الصحافة، ويشترك في زعزعة استقرار افريقيا، وقد يعني ذلك أننا نتحدث عن الجزائر. غير أن اليسار الأوروبي لا يدين نهائيا الجزائر، التي نمرر لها كل شيء أملا في الحصول على الغاز، ومقابل ذلك نناقش المغرب الذي هو أحد محاور شراكتنا الاستراتيجية في افريقيا». ومع أن الجزائريين قد لا يقبلون بالطبع مثل ذلك التعليل، وقد يرون فيه نوعا من المغالاة، أو من الانحياز الأعمى لجارتهم الغربية، إلا أن الثابت هو أن دخول الغاز بقوة على طرف المعادلة، خصوصا مع تواصل الحرب الروسية في أوكرانيا، وما تخلفه من تداعيات وانعكاسات مباشرة على الاقتصادات الأوروبية، يجعل من استبعاد الجزائر في هذا الظرف بالذات من أي نقاشات أو قرارات مماثلة أمراً مفهوماً. لكن هل كان من الضروري أن يوضع أحد البلدين المغاربيين في مرمى السهام الأوروبية؟ أليست هناك مصالح حيوية لبروكسل مع الرباط بالقدر نفسه الذي لها مصالح حيوية أيضا مع الجزائر؟ من الغريب حقا أن يصطدم الجاران المغاربيان ولو في فترتين مختلفتين بحاجز واحد. ولعل الجزائريين ما زالوا يذكرون موقف البرلمان الأوروبي قبل ثلاث سنوات من الآن من المسار الذي قاد إلى الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وكيف انتقد بيان خارجيتهم في ذلك الوقت ما وصفه بـ»منح البرلمان الأوروبي نفسه بكل جسارة ووقاحة حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا، في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية»، وكيف اعتبر أيضا أن البرلمان الأوروبي «بيّن بهذا التصرف عن ازدرائه ليس بالمؤسسات الجزائرية فحسب، بل بآليات التشاور الثنائي التي نص عليها اتفاق الشراكة، بما فيها تلك المتعلقة بالمجال البرلماني». ومن المؤكد أن البرلمانيين الذين دافعوا حينها عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، يعلمون جيدا أي نتيجة حصلت في الجزائر بعد القرار الذي أصدروه في 2019 ضد المسار السياسي الجزائري الحالي. فأي فائدة ترجى بعدها إذن من تكرار المحاولة مرة أخرى، لكن في اتجاه معاكس؟
في ظل التوتر المستمر في العلاقات الجزائرية المغربية، فإن المعنى الوحيد لذلك هو محاباة الجزائر والتودد لها، ولو ببيان إدانة رمزي لجارتها الغربية. وهذا تصرف لا ينم عن بعد نظر، بقدر ما يدل على سوء التقدير، لكن ما الحسابات البعيدة التي يمكن أن تدفع الاوروبيين الآن إلى الإقدام على تلك الخطوة؟ وهل يعني أن علاقاتهم الوثيقة والعميقة مع الرباط ستوضع على المحك، وستعرف تحولا استراتيجيا جذريا وواسعا في غضون الشهور المقبلة؟ إن عوامل عديدة مثل ملفات الطاقة والتغييرات التي بدأت تحصل داخل النظام الدولي بفعل الصراع الأمريكي الأوروبي من جهة، والروسي الصيني من الجهة الأخرى قد تتحكم في جزء كبير من الجواب. غير أن الأوروبيين الذين لا يستطيعون ولعدة أسباب أن يتخلوا أو ينفضوا أيديهم من الشراكة مع بلد مثل المغرب، لا ينظرون بارتياح لما قد يعتبرونه محاولات مغربية غير مقبولة لتجاوز النمط الذي أرادوه لتلك العلاقة. فالانفتاح المغربي على الصين وروسيا، والتوغل داخل القارة الافريقية، المعقل التقليدي للقوى الاستعمارية الأوروبية، بات يثير قلقا متزايدا لدى عدة جهات في بروكسل. كما أن الاختراقات الكبيرة التي حققتها الرباط في ملف الصحراء، خصوصا في السنتين الأخيرتين، وضعتهم أمام مأزق حقيقي، ولم تسحب زمام المبادرة من بين أيديهم فقط، بل أبانت أيضا عن انقسامات واضحة في مواقفهم وتوجهاتهم. وسواء ظهرت الصحراء أم لم تظهر في بيانات البرلمان الأوروبي وباقي المؤسسات الأوروبية، فإنها تبقى العقدة الأساسية التي تحكم العلاقة الأوروبية المغربية وحتى الأوروبية الجزائرية. ومن الواضح أن ما قاله العاهل المغربي في آب/ أغسطس الماضي من أن «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات»، قد أثار قلق بروكسل التي اعتادت على أن تكون هي وحدها النظارة التي ينظر بها المغاربة للعالم. ومع أن بيان البرلمان الأوروبي يظل غير ملزم للأوروبيين ومع أن شراكتهم مع المغرب تبقى مستمرة، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون البيان الأخير هو الرفش الذي حفرت به أوروبا قبرها في المغرب، ولو أن عملية الدفن قد تتطلب وقتا آخر.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.