سعيد سونا *
يريد أن يشتري إبرة ويسأل عن سعر الحديد … هذا هو حال أول رئيس رومانسي في الكون ، إنه قيس سعيد ، الرئيس التونسي الجديد …اسم على مسمى فإسمه يذكرنا بانطلاقة النسخة الأولى الحقيقية ، لحكم الرومانسية الرشيد ، حيث كان قيس يضع اللبنة الأساسية في رسم ملامح العشق المؤبد اتجاه حبيبته ليلى ، واسمه كذلك سعيد فهو أكبر داعية للسعادة في سفاسيف السياسة .
رجل طيب ، رزين، متدين … هاته شمائل مغرية ، مطلوبة في صهر جاء يطلب يد أحد بناتك للزواج … وليست بروفايل رجل دولة مقبل على ممارسة شعائر السياسة ، بإعتبارها فن السفالة الأنيق ، نعم هي صفات رفيعة ، لكنها بنفس قصير ، لن يقوى على مجاراة عالم بواقعه الصارم ، وتقلباته التي تدعو لمحاكاتها، بمواقف تفضي إلى منطق الأقل كلفة ، والأقل خسارة … نحن لاندعو الرجل إلى مأدبة فجور ، ولكننا جربنا ماذا قالوا وإلى أين انتهى بهم صخب النوايا الحسنة ، التي تغلف خطاب رجل يحلم بمملكة أفلاطون الفاضلة ، إلى حد الإعجاز والدهشة … فالرجل لم ينتبه إلى أن منطق السياسة بمعناها العصري ، هو أن يذوب الشخص في الدولة ، لا أن تذوب الدولة في أحد مكوناتها … إنها الخرافة إذن أن نسعى لتدبير أمور الدولة الداخلية والخارجية، بنزعة راديكالية ، تسعى لتدبيج تلك الكتيبات ، التي تشبه كتب الطبخ … وهاته المرة بعنوان : ” كيف تغير العالم في أربعة سنوات ” … كلامك كله قصائد شعر في ليال ملاح … فهل ستتمكن حروف فصاحتك من تحريك أرقام ومؤشرات الاقتصاد التونسي المتهالك ؟؟؟ نعم الجملة صحيحة كما كان يقول الشهيد بإذن ربك جمال خاشقجي … سمعت ثرثرة بدون أرقام … ولا أريد أن أفجع بفقع عين أخي وأنا أحاول أن أزيل ذبابة تشوش علي رؤية ملامح تشبهني …
يصفونه بنعوت تتسبب في إرتفاع ضغط الدم … يقولون بكل صفاقة ، إنه رئيس قادم من النخبة، لكن المطلوب رئيس قادم من الواقع … فقيه دستوري أمر جيد ، ولكن كم رأينا من جزار نهاية يومه عشاء شربة عذراء ، ويزيدوننا من الشعر بيت ويقولون : رجل بلسان فصيح جهوري ، أرد وأقول هذا مطلوب ليلعب دور البطل في مسلسل مدبلج للغة العربية !!!!
متأكد أن من سيقرأ هاته المقالة، سيدعو على صاحبها ، بأن يقطع الله لسانه ويشل أركانه ، ولكن رسول هذا الرب الذي نؤمن به جميعا صلوات ربي وسلامه عليه قال ” اعقلها وتوكل ” ولم يقل أتركها وتدحرج … وحتى نعضض أطروحتنا شرعيا ، وحتى لاتتم خندقتنا في معسكر المتآمرين على تونس والأمة ، نقول في هذا الباب وبالله التوفيق … أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدنا أبا بكر الصديق رضوان الله عليه ، وهو يعد العدة رفقة الفاروق عمر ، لقطع دابر المرتدين ومن تم الانطلاقة في الغزوات الكونية المباركة التي أكملها أبو حفصى، ترك لنا تراثا في نازلة اختيار القائد النموذج لترأس الجيش، فكان الاختيار أولا على أبا عبيدة الجراح لكن الامر انتهى بأن الرجل هش القلب سرعان مايتراجع عندما يرى دماء المسلمين تسيل وهو لايزال في بداية المواقع ، ثم انتقلوا لعمر ابن العاص فقال أحدهم ،إنه داهية يطيل التحديق والتفكير مما يحد من توكله على الله وإيمان المجاهدين ، لكن في الأخير استقر الأمر على خالد ابن الوليد ، فهو قائد يجمع بين الاثنين ويضيف لهما قول الشاعر : لن ينل المجد من لم يركب الخطر .
عذرا لا العقل ولا النقل ، يشفعان لهذا الرجل الحالم بمملكة أفلاطون الفاضلة ، بالثبات على شعاراته الفضفاضة، والاستمرار في ممارسة هواية تركيب الجمل الشعبوية ، التي تنتزع التصفيق على البطل وسط الفيلم بدل انتظار المشهد الأخير …
سيدي الفاضل إن لحم السلطة مسموم ، والحكم ابتلاء نعم عند أهل الزهد ، لكنه مهنة قذرة تقذف بصاحبها لمزابل التاريخ … ألم تلتفت للوراء قليلا لترى كيف صنعت مهنة الرئيس ، بشخص حاربوه حتى يكون أي واحد مكانه ومنهم أنت ، إلا هو … فإن عاد فقد خبر الداخل والخارج … وفي نفس الوقت لايعدم رصيده في أخلاق الفرسان … إنه ببساطة الرئيس المغتال سياسيا المنصف المرزوقي ، الذي كان هدف لكل الصهيونية العالمية ، لأنه يجمع بين البرغماتية والقيم ، وهي الثنائية المغيبة في شخصكم الموقر … تريد أن تنضم مثله لجبهة الممانعة ، بدون زاد الثوار وشعارك :
– رئيس مستقل احسن من ألف دستور …
– ولكن حبذا لو كنت مبرزا بشعار رئيس مجرب احسن من ألف طرطور …
سيدي ليس الأصل في الحكم هو الإسقاط بل التقويم ، والاستماع لناصح يقرح، احسن من متحمس يفرح …تسربل بسربال الصرامة الدائمة ، واكفر بالكياسة التي تحمل في ذاتها كل شروط الفناء …
ان الحماسة هي إكسير الشباب ، الذين صوتوا لك ، والأرقام الاقتصادية تتراقص أمام أعينهم ، فمهمة إرضاء العوام غاية لاتدرك ، وصوتك الهادر لن يخيف الفساد الداخلي ، ولا التصهين الخارجي … فلست دولة نفطية كقطر، إنك رئيس دولة فقيرة بمجتمع مكشوف للمتربصين … فلن تستطيع حبس أنفاس إسرائيل بالتحالف مع تركيا بل ستجعلك هاته الأخيرة خاصرتها الرخوة التوسعية بشمال إفريقيا …
لاندعوك لترخي شفتيك وتفكر بميوعة، ولانتوسم فيك حماسة لطالما شكلت ملاذنا في دروب الحائرين ، ولكن نطالبك بالبطانة الحسنة التي تطيل عمر الحكم وتفضي إلى نتائج ترضي ربك ، وسترضي عباده … فإن لم يكن اليوم فغدا …
ختاما قبل أن نفسح المجال لغرفة مراكز البحث ، في مطاوعة المألوف، ووفاء منا للرأي الآخر ، إليك هذا … قيل لبكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
إنك تطيل الصمت؟
فقال: إن لساني سبع إن تركته أكلني.
– مراكز الابحاث والفكر المعاصر :
قيس سعيد هو الرئيس الثالث للبلاد، بعد مرحلة زين العابدين بن علي التي تخلصت منها تونس في 2011 على وقع ثورة شعبية بدأت شرارتها من جسد محمد البوعزيزي الذي حرق نفسه في سيدي بوزيد احتجاجا على الظلم.
تمكن أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الاستحواذ على أصوات التونسيين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد وفق نتائج استطلاعات للرأي.
ويشير استطلاع أجرته مؤسسة “سيغما كونساي” أن سعيد حصل على أكثر من 76 في المئة من الأصوات مقابل 23 في المئة لمنافسه رجل الأعمال نبيل القروي.
وصوت لسعيد نحو 90 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما، وفق تقديرات “سيغما”.
وتمكن سعيد (61 عاما) الذي يتبنى أفكارا اجتماعية محافظة من تصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف سبتمبر وحصد 18.4 في المئة من الأصوات.
ويرى مراقبون أن المناظرة التلفزيونية التي جمعت المتنافسين الجمعة كان لها الفضل في ترجيح كفة سعيد الذي بدا خلالها واثقا ومقنعا أمام منافسه القروي الذي فقد تركيزه في فترات، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وأثار سعيد الجدل منذ إعلان ترشحه للرئاسة لقلة المعلومات عنه ولقربه من شخصيات سياسية محافظة، واعتبره البعض يساريا فيما صنفه آخرون بالإسلامي المحافظ.
برنامجه الانتخابي :
قدم سعيد برنامجا انتخابيا يرتكز على لامركزية القرار السياسي وتوزيع السلطة على الجهات المختلفة، ويتبنى شعارات الثورة التي أطاحت النظام الديكتاتوري في 2011 ومنها خصوصا “الشعب يريد” “و”السلطة للشعب”.
“الشعب يريد” شعار الحملة التي رفعها سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية
ويلقى الأستاذ القانوني دعما واسعا خصوصا من الطلبة المتطوعين الداعمين لبرنامجه الانتخابي والذين يقومون بتسيير حملته من دون مقابل.
ويشير أن برنامجه يرتكز على أنه “علينا أن ننتقل من دولة القانون إلى مجتمع القانون”.
أهم وأقوى تصريحاته :
وقال سعيد (61 عاما) في مؤتمر صحفي الأحد بعد الأنباء غير الرسمية عن فوزه بالانتخابات، “أشكر الشباب الذي فتح صفحة جديدة في التاريخ”.
وتابع بصوته الجهوري “سأحمل الأمانة…الشعب يريد”، وهو الشعار الذي رفعه التونسيون خلال الثورة 2011، مؤكدا قوله: “أحترم كل من اختار بكل حرية، انتهى عهد الوصاية وسندخل مرحلة جديدة في التاريخ”.
وتابع “قدمتم درسا للعالم وأبهرتم العالم، أشكركم من أعماق الأعماق”، مضيفا “نحن في حاجة إلى تجديد الثقة بين الحاكم والمحكومين”.
سعيد خلال المناظرة مع القروي
وأعلن سعيد أن القضية الفلسطينية ستكون ضمن أولوياته في الخارج، مبينا “سنعمل في الخارج من أجل القضايا العادلة وأولها القضية الفلسطينية”.
وقال سعيد في مناظرة عقدت مع منافسه القروي إنه يرى أن الأولوية يجب أن تكون في ضرورة “القانون المطبق على الجميع بلا تمييز” وتحسين التعليم، إضافة إلى أن “القضاء المستقل أحسن من ألف دستور”.
وحول توجهاته أشار سعيد بالقول: “يتهمونني مرة بأنني سلفي وأحيانا بأنني يساري، المهم هو إرادة الشعب، الشباب هم الذين يدعمونني”.
بماذا يعد التونسيين؟
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض التوجهات والأفكار لأستاذ القانون الذي يدافع بشدة على لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على الجهات.
ويدعو سعيد لانتخاب مجالس جهوية تعين بدورها ممثلين لها “من أجل أن تصل إرادة الشعب للسلطة المركزية ومقاومة الفساد”.
ووعد في مؤتمر صحفي إثر صدور نتائج الجولة الأولى أنه “لا رجوع عن المكتسبات فيما يتعلق بالحريات وحقوق المرأة”، رافضا اقتراح المساواة في الميراث.
مناصروا سعيد يحتفلون بالنتائج غير الرسمية التي ترجح فوزه بالانتخابات الرئاسية
ويواجه سعيد انتقادات لمواقفه المحافظة في بعض القضايا الاجتماعية، لكنه وفي خطاباته لا يستند إلى مرجعيات دينية وعقائدية.
وقال عنه خبير القانون الدستوري وأستاذه السابق عياض بن عاشور في تصريح لصحيفة “لاكروا” الفرنسية “هو بالفعل محافظ جدا وليس إسلاميا ولا يقدم قناعاته الشخصية في خصوص المسائل ذات الأولوية”.
علاقته بالأحزاب التقليدية
ويلقى سعيد دعما من حزب “النهضة” ذي المرجعية الاسلامية والذي تصدر نتائج الانتخابات النيابية، إلا أنه يواصل تأكيد استقلاليته وينأى بنفسه عن الأحزاب ويستشهد في خطاباته بالدستور ويعتبره المرجع.
ودعت “النهضة” قواعدها إلى التصويت لسعيد بعد أن أعلن منافسه القروي رفضه أي تحالف وتوافق معها مستقبلا.
داعمون لسعيد قبل الجولة الثانية من الانتخابات
وكانت الانتخابات التشريعية قد أفرزت برلمانا بكتل مشتتة، وتلوح في الأفق بوادر مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية لأن حزب النهضة” الذي حل في الصدارة بـ 52 مقعدا لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة 109 نواب.
وأعلن رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي أخيرا بدء حزبه بمشاورات لتشكيل الحكومة.
قيس سعيد.. من هو؟
يعتبر أستاذ القانون الدستوري سعيد رجل الصرامة و”النظافة” في نظر فئة واسعة من التونسيين، علما بأنه يقدم نفسه شخصية مستقلة، متبنيا بعض الأفكار المحافظة.
ولد في 22 فبراير 1958 في عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وربة منزل، ودرس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليدرس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل التقاعد قبل سنة.
وحصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون في جامعة سوسة وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل إثرها ومنذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.
لم يحصل سعيد الذي يلقبه أنصاره بـ “الأستاذ” احتراما لشخصه، على شهادة الدكتوراه وكانت كتاباته ومنشوراته نادرة.
لسعيد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل التي ظهرت لأول مرة برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية بشعرها القصير.
ويعتبره طلابه شخصية تكرس حياتها لمهنتها وهي التدريس ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم ونادرا ما يبتسم.
قيس سعيد وزوجته القاضية اشراف شبيل
أطلقت عليه تسمية “روبوكوب” من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لأنه دائما ما يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبدون توقف.
قال عنه أحد طلابه في تغريدة على تويتر “يمكن أن يمضي ساعات خارج حصص الدرس مع الطلبة لتوضيح بعض النقاط بخصوص امتحان”.
وصفه أحد طلبته نسيم بن غربية وهو صحفي كان تابع دروسه بين 2011 و2012 “بالأستاذ الجدي والمسرحي أحيانا، لكنه دائم الإصغاء لطلبته”.
ويتذكر صحفي من وكالة الصحافة الفرنسية أن سعيد وحين يدخل صباحا الكلية يبدأ بإلقاء التحية على كل من يصادفه من زملائه الذين يدرسون معه وعمال النظافة والموظفين بالإدارة والطلبة، ويسأل عن أحوالهم وأحوال عائلتهم فردا فردا.
عرف شهرة واستحسانا من قبل التونسيين خلال ظهوره المتعدد منذ 2011 في وسائل الإعلام التونسية، يقدم التفسيرات والتوضيحات ويبسط المسائل الدستورية المعقدة خلال كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014.
* باحث في الفكر المعاصر