نورالدين زاوش
لم أنس أبدا تلك الفرحة العارمة التي اعتلت مُحَيّانا، ونحن نتوصل من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بمنشور الحملة الانتخابية التشريعية لسنة 2002م، والذي يحتوي على أسماء وصور ممثلات اللائحة النسوية المرشحة باسم الحزب، والتي تم اعتمادها لأول مرة في تاريخ هذه الاستحقاقات.
إن ما أبهج قلوبنا، ونحن مازلنا أنذاك مناضلين أشاوس في صفوف الحزب، هو يقيننا في أن هذا المنشور الانتخابي المهيئ بدقه بالغة، ودهاء كبير، حيث تبدو فيه صور مناضلاتنا بزيهن الشرعي والنور يشع من وجوههن وكأنهن ملائكة الرحمة، سيكون له بالغ الأثر في حسم نتائج الانتخابات.
جميعنا مقتنع من أن الحجاب مسألة شخصية، وحرية فردية، إلا حزب العدالة والتنمية، فهو يراه أكبر من ذلك بكثير، إنه برنامج انتخابي صامت لكنه مُحْبَك، وأخرس لكنه حاسم، وهذا ما حذا بالحزب ومؤسساته إلى الهرع بلا تأجيل أو تأخير، إلى عقد الاجتماعات السرية والعلنية، وإصدار البلاغات والبيانات، على إثر تسريب بعض الصور المقززة المنسوبة إلى القيادية ماء العينين، فالخلطة السحرية التي يعتمدها الحزب في اكتساح الانتخابات توشك أن تفسد، والأصل التجاري، الذي بموجبه يتم تغليب كفة الحزب على كفة باقي الأحزاب، يُنذر بانتهاء مدة الصلاحية.
لقد ادّعى بلاغ فريق العدالة والتنمية بأن قضية الصور موضوع بئيس، ومعركة هامشية ووهمية تُعَرِّض الزمن الوطني للهدْر.
إذا كان الأمر صحيحا، فلماذا جُنّ الحزب حتى انخرطت فيه جميع مؤسساته، بجدية منقطعة النظير، وكأنه قضية حياة أو موت، مُعَرِّضة بذلك الزمن الوطني إلى مزيد من الهدر؟
بعدما عجز حزب العدالة والتنمية في ولايته الأولى، عن تحقيق ولو جزء بسيط من برنامجه الانتخابي، صرّح رئيس الحكومة السابق بأن الشعب المغربي لا يصوت على البرامج، بل يصوت على الأشخاص، بمعنى أن الأفضلية بين الأحزاب لا تكون بمعيار الأفضلية بين برامجها، بل بمعيار الأفضلية بين الأشخاص أنفسهم، وهذا هو أكبر بؤس سياسي أنتجه حزب العدالة والتنمية، أكبر حتى من فظاعة الإجراءات الإجرامية التي قام بها في حق الشعب؛ لأنه ربط التصويت الانتخابي بأشخاص يبدو على ملامحهم نور الإيمان، وسلامة القلب، ونقاوة اليد، كيفما كان أداؤهم السياسي وحصيلتهم الحكومية.
هكذا أُفرغ الفعل السياسي من محتواه، وتم التأسيس لقواعد غريبة عن الفكر السياسي، مفادها التملص من تنفيذ البرامج الانتخابية، التي من المفروض أن تُشَكل العَقْد السياسي والوحيد بين ممثلي الأمة وبين عموم المواطنين، وإبدالها بمفاهيم وجدانية وروحية يصعب تحديدها، أو قياسها، أو التأكد من صحتها.
طبعا، إن الأفضلية بين الأشخاص التي يقصدها المخلوع بنكيران ليست هي الكفاءة السياسية؛ لأن هذه الأخيرة مرتبطة بالقدرة على إنتاج برامج طموحة وواعدة، ثم بعد ذلك، بالقدرة على تنفيذها والالتزام بها، بل يقصد الأفضلية المرتبطة بمظاهر الالتزام الديني، من زي شرعي للنساء، ومداومة على المساجد للرجال، والنأي عن أماكن اللهو والفجور والسفور، كساحة “فوندوم”، وكباريه “الطاحونة الحمراء” بباريس، وهذا ما يفسر هول الصدمة التي نزلت على قياديي الحزب جراء تلك التسريبات.
إن الضجة الكبيرة التي أقامها حزب العدالة والتنمية في موضوع هامشي وبئيس، تكشف بالملموس، أن الحزب يرى بأن الشعب المغربي لا يصوت على برامجه الانتخابية، فهو أصلا لا ينفذ منها شيئا، وإنما يصوت على الحياة الشخصية لقيادييه، ومتى فسدت هذه الحياة الشخصية في نظر الشعب، لن تعود صناديق الاقتراع تُفْرِح أبناء “المشروع الإسلامي”، مثلما كانت تفرحهم من قبل، وسيهوي حينها ذلك الصّرح الذي يحسبه الجاهل قويا وشامخا ومتراصا، وهو في الحقيقة أوهن من بيت العنكبوت.
كاش محمدمنذ 6 سنوات
كلام في الصميم واسنتاجات خرج بها واجتمع عليها كل متتبع للمشهد الانتخابي والبرامج الحزبية لا سيما الحزب موضوع البحث.