(إعداد يونس بوزريدة)
يشكل مشروع القانون المالي لسنة 2021 اختبارا صعبا للحكومة بسبب الأزمة الصحية العالمية غير المسبوقة، والتي أرخت بظلالها على المؤشرات الاقتصادية الوطنية وعلى الواقع المعيشي للمغاربة على كافة الأصعدة.
وهكذا، وجدت الحكومة نفسها، خلال مراحل إعداد آخر مشروع قانون مالي في ولايتها، أمام تحديات ترتبط أساسا بتراجع المداخيل المالية للدولة، وضرورة الاستجابة، بشكل عاجل، للحاجيات الأكثر إلحاحا للمغاربة خلال هذه الظرفية الاستثنائية.
وقد زادت أزمة الجفاف والتراجع الحاد في التساقطات المطرية خلال السنة التي نوشك على توديعها، وما كان لذلك من آثار سلبية على الإنتاج المحلي من الحبوب، من الصعوبات التي تواجهها الحكومة، علاوة على التطورات الأخيرة للوضعية الوبائية، والتي تنذر بموجة جديدة من الإصابات.
وشكلت التوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس في عيد العرش، وذكرى ثورة الملك والشعب، وفي افتتاح البرلمان، خارطة طريق بالنسبة للحكومة لإعداد مشروع القانون المالي، ووضعتها أمام مسؤولياتها في تنزيل هذه التوجيهات إلى أوراش ومشاريع كفيلة بتحقيق انتعاش اقتصادي واجتماعي.
وهكذا، حدد هذا المشروع، الذي صادق عليه مجلس الحكومة مؤخرا، والذي يعرض، حاليا، على أنظار البرلمان أولوياته في خلق مناصب الشغل ودعم المقاولة الوطنية وتعميم التغطية الاجتماعية وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، بما من شأنه أن يحقق إقلاعا واعدا وشاملا خلال فترة ما بعد أزمة كورونا.
وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة والحكامة بجامعة محمد الخامس – الرباط، محمد حركات، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا المشروع، الذي يتزامن مع سياق وظرفية دولية استثنائية، يستند إلى ثلاث أولويات تستمد قوتها من التوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص، وتشمل تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، والشروع في تعميم التغطية الاجتماعية، وتعزيز التدبير المعقلن.
وأبرز السيد حركات، في هذا الصدد، أهمية التخطيط الاستراتيجي في تنزيل الأوراش الوطنية الكبرى، ولاسيما ورش تعميم التغطية الاجتماعية الشاملة التي سيتم تنزيلها بشكل تدريجي خلال الخمس سنوات القادمة (التغطية الصحية الإجبارية، التعويضات العائلية، التقاعد، التعويض عن فقدان الشغل).
واعتبر مدير ومؤسس المجلة المغربية للتدقيق والتنمية أن طموح المشروع المالي في تحقيق نسبة نمو اقتصادي في حدود 4,8 في المئة، ونسبة عجز في الميزانية في حدود 6,5، يظل صعب المنال، بالنظر إلى التطورات التي تميز السياقين الوطني والدولي، في ظل استمرار تفشي جائحة كوفيد-19، والتدابير التي قد يتخذها المغرب لمواجهة تداعياتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
كما لفت الخبير في المالية العامة إلى أن المشروع المالي يكرس ” هيمنة هاجس التوازنات المالية والتقشف والمديونية الخارجية “، داعيا إلى الأخذ بعين الاعتبار التوازن الاجتماعي الشامل.
وبخصوص الضريبة التضامنية، التي نص عليها مشروع قانون المالية، سجل المتحدث أنه ستكون لها تداعيات سلبية على القدرة الشرائية للموظفين والأجراء، خاصة في خضم الأزمة الصحية الراهنة، مبرزا أنه ” كان يتوجب على الحكومة، عوض ذلك، اتخاذ قرارات أكثر شجاعة لتقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، من قبيل فرض ضريبة على الثروة”.
وأبرز السيد حركات أن هذه الضريبة تكشف بالملموس أن الحكومة ” تتبنى حلولا سهلة لتغطية العجز المالي، وهو ما يمكن تفسيره بافتقارها للجرأة السياسية والرؤية الاستراتيجية التشاركية، وعدم قدرتها على بلورة حلول إبداعية جديدة للتمويل (خارج الاقتراض وفرض ضرائب جديدة) “.
وعلاقة بدور البرلمان في إثراء هذا المشروع، أشار مدير المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والحكامة الشاملة إلى أن مناقشة مشروع قانون المالية تعد لحظة ديمقراطية بامتياز، وتعكس مدى قدرة هذه المؤسسة التشريعية على الارتقاء بالنقاش العلمي والسياسي في الدفاع عن مصالح دافعي الضرائب.
وخلص السيد حركات إلى أن البرلمانيين مطالبون، خلال هذه المناقشات، بالتحلي بالصرامة اللازمة لضبط الأولويات التنموية لهذا المشروع حتى تكون مضامينه في مستوى تطلعات المغاربة، وتنعكس على واقعهم اليومي من خلال تحسين ظروفهم المعيشية.