المدرسة المغربية وورش التربية على اللطافة والايجابية في الحياة..

admin
متابعات
admin19 فبراير 2021آخر تحديث : منذ 4 سنوات
المدرسة المغربية وورش التربية على اللطافة والايجابية في الحياة..

عبد السلام انويكًة

    عمودية كانت هي طبيعة العلاقة بين الأسرة والطفل وبينه وبين المدرسة والمدرس في النهج التربوي والعمل التعليمي الكلاسيكي، من خلال ثقافة سلطة وطاعة وخضوع وتراتبية وإرادة راشد على غير راشد عبر قوة وعنف وعقاب وتخويف..، ما كان يروم واجب احترام الكبار من قِبل من هم صغار دون وعي بمكانة وموقع هؤلاء ككائنات بحاجات نفسية خاصة، تقتضي جملة قيم تجمع بين تواصل وتسامح وليونة وتراضي..، وبقدر ما اعتبر أسلوب العلاقة هذا في ماضي الأسرة والمدرسة بنجاعة في تأمين إرثٍ رمزي ما وتحقيق احترام قواعد وثوابت ثقافيةٍ على مدى قصير، بقدر ما تبين افتقاره لاحقاً كمقاربة لكل قيمة وأهمية في مداه البعيد لدرجة ما هو نتائج عكسية، وأن العقاب مثلاً لا يكون سوى بأثر سلبي على مدى بعيد وفق ما انتهت اليه دراسات نفسية عصبية، ومن تمة حاجة الأسرة والمدرسة والمدرسين والتربويين على حد سواء لورش تربية على الايجابية والسلوك الحسن، مع تنمية ثقافة وقيم تعاونٍ عبر تفاهمٍ وتواصلٍ وإكسابِ ما ينبغي من لطافة وكيفية استثمار ما هو ذكاءات.

  ولعل التربية على اللطافة والسلوك الحسن تروم موقعاً وسطاً في الوسط المدرسي عبر ما ينبغي من علاقات أفقية يتم فيها تثمين النفسي الوجداني من حاجات متمدرسين، حتى لا تكون الغاية تحقيق طاعة ما ضمن علاقة ما مثلاً، بل بناءها في اطار تعاون واحترام بين “طفل” و”راشد” باعتبارهما كائنين انسانيين يتقاسمان قيماً مشتركة. وغير خاف ما كان من هاجس بحث للمدرسة والمدرسين والتربية والتربويين في الماضي، عن ثقافة وقيم وسلوك طاعة واحترام بشكل سريع في وسط متمدرسين، وفق ما يتماشى وينسجم مع وضع سسيو ثقافي ما كائن.

    وإذا كانت هذه هي معالم طفل متمدرس صالح بين قوسين في نهج ماضي تربوي، ففي الوعي الحديث وعمل التربية على حسن السلوك والايجابية يتم اعطاء أهمية أكثر لِما يكتسب عبر سبل فهم وقناعة، مع آخذ حاجات الطفل النفسية بعين الاعتبار دون الزامه بأي سلوك، عبر اعتماد ما يسمح بتعاونه وخلق علاقات ثقة بينه وبين راشدين لبلوغ أهداف ما بعيداً عن كل ضغط وقوة وعنف وتخويف. ومن هنا فالتربية على الايجابية في الحياة وحسن السلوك والعلاقة تقوم على ما ينبغي من تثمين وتحفيز وبحث عن حلول وقدوة، وتجاوز كل عقاب يخص ما ينعت بالسلبي في سلوك أطفال متمدرسين بالبحث عن فهمه وتمثله لإيجاد حلول له، مع أهمية مصاحبة هؤلاء وحل مشاكلهم عبر تعاونهم وتعميق العلاقة معهم من أجل ما هو أفضل. ولعل التربية على السلوك الايجابي تقوم على علوم الانسان ومنها الدراسات النفسية العصبية التي كانت بأثر على أنظمة وأساليب التربية بالمؤسسات التعليمية، فالأبحاث العلمية التي توجهت بعنايتها لدماغ الانسان وأنشطة التعليم، بقدر ما اتسعت خلال العقود الأخيرة بقدر ما انتهت بنتائج هامة تخص التربية دون عنف.

 تحدي الالفية2 - رسبريس - Respress

  وعلى أساس قيم كونية فإن لطافة تعامل وسلوك، كثيراً ما يروم حاجات نفسية من أجل انتماء ونشاط جماعي منسجم يستهدف حماية توازن وأمن وجداني فضلاً عن دعم وخدمة لعلاقات، ما يسمح بسلوكات من قبيل تعاون وصدق وتساهل وتسامح وتضامن ومسؤولية وثقة واخلاص…، وغير خاف ما عرفته قضية السلوك من تناول خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن الأمر يخص سؤال واقع تسامح وتجاوز في الوسط المدرسي وايجابية ووضع لا عنف. وإذا كانت الدراسات العلمية النفسية تقول بكون الايجابية ولطافة السلوك تقوم على حاجات وجدانية أساسية، فإن الايمان بقدرة الأطفال المتمدرسين على التعلم يعد أساس كل عملية تعليمية، وأن بإمكان المدرسين أن يكونوا بتأثير وأثر على هؤلاء الذين يرتبطون بموارد وصعوبات ونسبة تطور خاصة.

   وإذا كان مفهوم السلوك الايجابي في الوسط المدرسي هو نتاج عيش ممتد في الزمن وجزء من إرث انسان وثقافة، ففي بعده الحديث يروم البحث عن حلول وبناء علاقات على أساس احترام متبادل وتعلم مهارات عيش وتطوير كفايات وثقة في النفس، لمعرفة سبل تدبير مواقف صعبة وفق ما ينبغي من تعاطف واحترام ذاتٍ وآخرَ ولاعنف. وعليه، فإن التربية على السلوك الايجابي التعاوني تطرح على التربويين جملة أدوات من شأنها تعديل تقاليد قائمة، من خلال تربيةِ ناشئةٍ متمدرسة على كفايات حياة وفق ما يقوم على احترام حاجات طرفين “أطفال” و”راشدين”.

    ولعل من جملة ما ينبغي اكسابه للمتمدرسين الأطفال سبل عيش حسب وجدانهم وعواطفهم مع تعبير عنها بطرق محترمة في محيطهم، فضلاً عما يحتاجونه من مصاحبة دون اشعارهم بالخوف من الخطأ، وفضلاً عن قدرة تحديد ما يختفي من حاجات وراء سلوكات صادرة مثيرة للسؤال بالوسط المدرسي. كل ذاك من أجل اعتماد مبادئ سلوك ايجابي في المعالجة عوض ما هو عنف، ليبقى المهم والأهم اعادة نظر في علاقة ما قائمة بين آباء ومدرسين وتربويين ومؤطرين من جهة وبين متمدرسين من جهة ثانية، لتجاوز حاجز تقاليد سائدة واعتقادات مجتمعية صوب تربية مؤسسة على سلوك ايجابي.

 إن التربية على السلوك الحسن تسمح للمتمدرسين بالحصول على كفايات حياة، وبالتالي سبل تعليم المدرسين والتربويين ثقة هؤلاء في أنفسهم، فمع كل تقدم يحققونه يصبحون كائنات حية وجدانية ايجابية أكثر قدرة على التفكير، قادرين على اتباع قواعد كائنة وفي نفس الوقت تقويمها عارفين بسبل تدبير اخفاقات واحباطات، مع سير بثقة في الحياة وقدرة على مواجهتها لتحقيق تطلعات دون اكتراث بأحكام آخرين. من هنا فإن التربية على الايجابية في الحياة ولطافة سلوك وعلاقة، هي دعوة للاشتغال على الذات كآباء ومدرسين ومؤطرين ومدبرين، وعلى وجدان جمعي ودرجة ثقة في المستقبل من أجل نماء وناشئة، كذا على ما هو إرث ثقافي وأسلوب تواصل كأفق وتطوير ذاتي من شأنه أن يسهم في تحقيق أهداف منشودة، ولعل هذا الورش من الاشتغال والتغيير الذي ينبغي أن يشمل جملة واجهات منها الأسرة والمدرسة والعمل والعلاقات مع الآخر…، ليس قضية اختيار تربوي بل خيار حياة.

   وللاشارة فالسلوك الايجابي في التربية والتكوين تيار تربوي نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية خلال تسعينات القرن الماضي تأسيساً على أعمال عالمة النفس Jane Nelson، وقد بلغ فرنسا قبل عدة سنوات بفضل عالمة النفس الاكلينيكية الفرنسية Beatrice Sabaté التي كيفت دراسات الأمريكية “جان نيلسون” مقترحة تكوينات للأسر ومؤسسة للجمعية الفرنسية للسلوك الايجابي. ولعل التربية على الايجابية في الحياة والسلوك، تشكل خطة عمل لتسهيل ومرافقة عيش جماعي من خلال تركيزها على المتمدرسين من الأطفال وعلى محيطهم وتنشئتهم، مقاربة تتوجه أيضاً لكل الآباء والتربويين والمدبرين والمؤطرين واضعة عنصر التحفيز والتشجيع في قلب العلاقة الكائنة بالوسطين التربوي والمدرسي، وعياً بأن تربية الناشئة وتأهيلها ورش هام لبناء راشدين ومن خلالهم مستقبل مجتمع ونساء ورجال غد.

    إن كل ما يتأسس على دعم وتحفيز واقناع وقدوة وتعميق ثقة..، هو تربية على سلوك ايجابي وحُسْن ولطافة علاقة، ما يروم جعل الناشئة أكثر مسؤولية واستقلالية وتفتحاً. وكان هذا الأسلوب التربوي كمفهوم قد انتشر من خلال ما حصل من اهتمام حول أهمية الحوار دون عنف، مقاربة اهتمت أساساً بالأفراد مركزة على ما هو نفسي وجداني، بحيث من المفيد فيها التواصل انما دون أحكام مسبقة حول الآخر ودون عنف. ولعل الثقة هي قلب أي سلوك ايجابي وحسن علاقة من أجل حسن انصات وتشجيع واستجابة، ولسيت هناك طريقة خاصة يمكن اتباعها في هذا النهج التربوي فقط نصائح ذات أهمية منها تجنب السلبية.

   يذكر أن التربية على الايجابية والسلوك الحسن .. تقتضي انتماء الى جماعة ما وحاجة ما وتواصل وتبادل للرأي وفق ما ينبغي من احترام، كذا وعي بكون العقاب رؤية بمدى قصير وأن كل سلوك له سبب وجود. ولتنزيل ورش تربية ايجابية وثقافة لطافة من المفيد تحقيق تواصل قبل أي تصحيح مع وجود علاقة وثقة، كذا وعي بالخطأ كأداة اكتساب وإغناء مع أخذ الوقت لإعادة تواصل مع الذات، فضلاً عن طرح أسئلة تهم حب استطلاع وأخيراً بناء عنصر ثقة.   

    من أجل هذا وذاك من رهان رمزي في المدرسة المغربية فضلاً عما هو مادي، وفي اطار تعاون مغربي أمريكي يروم تجويد سلك التعليم الاعدادي والثانوي عبر مشروع المؤسسة وتحسين بنية داعمة  للتعلمات، مع رفع قدرات وكفايات الأطر الادارية والتربوية من أجل مهمة وانخراط أوسع فيما هو منشود من أهداف. كانت مدينة فاس بداية فبراير الجاري ومعها في نفس الفترة طنجة ومراكش على موعد مع أشغال تكوين مكونين، استهدفت مؤطرين تربويين عن الأكاديمية الجهوية لتربية والتكوين ومكونين باحثين عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. وبقدر ما توزعت أشغال تكوين المكوين هذه على محاور بطابع بيداغوجي ديداكتيكي محض، بقدر ما استحضرت أهمية تجديد معارف ومهارات وتحسين أساليب تدخل وأثر في تكوين وتأهيل المتمدرسين، من خلال محاور ومجالات بطبيعة عرضانية منها ما هو قيمي انساني سلوكي علائقي تفاعلي بالدرجة الأولى كما بالنسبة للتربية على اللطافة وحسن العلاقة والسلوك الايجابي l’éducation bienveillante et discipline positive.

   ولعل هذه المجزوءة في عُدة تكوين المكونين والتي أطرتها الخبيرة الباحثة في علوم العلاقات الانسانية والتفاعلات البينية المؤسساتية الدكتورة فوزية مسعودي، تشكل موضوعاً على قدر عالٍ من الأهمية والقيمة المضافة لفائدة الأطر الادارية والتربوية. مع أهمية الاشارة الى أن التربية على البعد الايجابي في الحياة وقيم الحُسن والتواصل والتعاون والتقاسم والتفاهم..، لا تزال مساحة بدون ما هو كافٍ وشافٍ من عناية وموقع في مجال التكوين الأساس للأطر والتكوين المستمر في منظومة بلادنا التربوية. وغير خاف عن التربويين والمهتمين ما هناك من اشارات تحدثت عن أهمية ورهان التربية على الايجابية والسلوك الحسن في الوسط المدرسي، مثلما ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، كذا ما احتوته مذكرات وزارية عدة ومعها دلائل ومشاريع تربوية وغيرها.

  يبقى وعياً بقيمة الانسان في حد ذاته وعلاقة السلوك بمنظومة القيم ودرجة تطور الوعي بمكانة الانسان والمؤسسات في المجتمع، ووعيا بطبيعة ما هناك من علاقات انسانية سائدة وبأن تنمية السلوك الايجابي باتت حاجة ملحة لترسيخ علاقات مؤسَّسة على وعي ومسؤولية بين الجميع كل من موقعه كأفراد ومؤسسات ومجتمع. يبقى من الصعب القفز على ما يمكن أن تسهم به المدرسة والأثاث الرمزي المدرسي في هذا المجال، مثلما يصعب القفز على ما يمكن أن تسهم به مجزوءة l’éducation bienveillante et discipline positive، على مستوى ما هو تربية وتكوين وتنشئة كذا تنمية ما هو مواقف وسلوك ايجابي وتواصل وتعاون وتضامن وتسامح وتقدير وعلائق وغيرها.

 مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث    

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.