المغرب والولايات المتحدة الأمريكية من خلال النص الأكاديمي..

admin
2021-04-26T00:57:25+02:00
متابعات
admin26 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
المغرب والولايات المتحدة الأمريكية من خلال النص الأكاديمي..

عبد السلام انويكًة

بجدل معبر في الأوساط العلمية والدبلوماسية، كانت دوماً سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية منذ نشأتها، وعليه، ليس سهلاً إبداء الرأي حول ما هو تاريخي سياسي اقتصادي علائقي ذي صلة، اللهم من هم بمعرفة علمية شافية من باحثين ودارسين ومؤرخين. سياق جاء فيه مؤلف على قدر عالٍ من القيمة والمضافة و التميز والسبق البحثي في هذا المجال، مؤلف موسوم ب”العلاقات المغربية الأمريكية دراسة في التمثيل الدبلوماسي الأمريكي بالمغرب، صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط ضمن طبعة أولى بحوالي ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط للباحث عن كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس الدكتور محمد بنهاشم.

وغير خاف أن تاريخ المغرب ارتبط بدول أجنبية كانت بمصالح لها فيه، ما جعل تاريخه معها منذ أقدم العصور تاريخ مواجهات وأزمات وحروب. خاصة وأن موقعه الجغرافي وبُعديه المجاليين الحيويين الأطلسي غرباً والمتوسطي شمالاً، جعلا منه نقطة تقاطع لمصالح أجنبية ومن ثمة حلبة صراع بالنسبة لها. بهذه العبارات والقراءة استهل المؤلِّف تقديما مركبا للكتاب، مشيرا الى أن الدول الأروبية سعت منذ بداية العصر الحديث الى استعمار المغرب وفرض وصايتها عليه. الأمر الذي ظهر وتأكد خلال الفترة المعاصرة، – يضيف- آخذا مشروعيته مما تم توقيعه معه من اتفاقيات فضلاً عن مواثيق دولية وقعت بشأنه. مضيفاً أن جهود المغرب ومحاولاته لاستغلال الوضع من أجل إطالة وتمديد عمر استقلاله باءت بالفشل، بحيث لم تكن فرنسا التي استعمرت الجزائر مستعدة للتخلي عنه لفائدة أية قوة أخرى، وأنه رغم كل وسائلها لإبعاد خصومها عنه اعتماداً على الترغيب والترهيب لم تستطع إلغاء الرهن أو الضمانة الدولية عليه. وهو ما استغلته الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن مشروعية وجودها به، وهو ما بلغته وحصلت عليه بفعل معاهداتها معه كذا الأوفاق الدولية الموقعة بشأنه.

ورغم كل هذا الوقع والوقائع لم تحظ العلاقات المغربية الأمريكية، بنفس العناية والدراسة والتحليل والمقاربة التاريخية، مثل ما أحيطت به علاقات المغرب مع أروبا من قبل الباحثين والمؤرخين. علما أن المغرب كان أول بلد اسلامي وعربي ربط علاقات مع الولايات المتحدة، لدرجة كادت أن تجعله طرفا في قضايا أمريكية كما الحال بالنسبة للحرب الأهلية والحرب الأمريكية الاسبانية حول جزيرة كوبا. هذا اضافة الى كونه كان مجالا لتطبيق مبدأين من أهم مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية لعلهما مبدأ مونرو والباب المفتوح، ثم منطقة لأكبر إنزال عسكري في شمال افريقيا ضد دول المحور، قبل أن يتحول الى واجهة لحرب باردة ضد المد الشيوعي في الشمال الافريقي وحليف استراتيجي للولايات المتحدة الامريكية. مع أهمية الاشارة الى أن سنة 1786 كانت هي تاريخ توقيع أول معاهدة صداقة وسلم بين البلدين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

في مؤلف”العلاقات المغربية الأمريكية دراسة في التمثيل الدبلوماسي”، عمل الدكتور محمد بنهاشم، على تتبع مسار بدايات الوجود الأمريكي في حوض الأبيض المتوسط منذ أن كانت الولايات المتحدة مستعمرة بريطانية الى غاية عقدها لاتفاقية سلم مع المغرب في يونيو عام 1786  ، مع تركيز في هذا العمل العلمي الأكاديمي على زمن السلطان محمد بن عبد الله الذي فتح فيه المجال لدخول الأمريكيين للموانئ المغربية، وعلى فترة السلطان المولى سليمان التي شهدت تعيين أول قنصل أمريكي بالمغرب. ولم يغفل صاحب المؤلف الحديث عن طبيعة العلاقات الأمريكية مع باقي بلدان الشمال الافريقي، على أساس أن العلاقات البينية المغربية الأمريكية لا يمكن فهمها دون وضعها في اطارها المجالي المتوسطي والشمال الافريقي.

وقد أشار الدكتور محمد بنهاشم في هذا المؤلف، الى أن نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر شكلت بداية حقيقية لسياسة خارجية أمريكية كان أول مبادئها مبدأ مونرو. فترة تزامنت مع بداية تحرشات أروبية بالمغرب، ظهر فيها الدور الأمريكي بمظهر سلبي رغم اتفاقية الصداقة الموقعة بين الجانبين، ورغم أن المغرب كان بدور ايجابي فيما يتعلق بقضايا أمريكية كالحرب الأهلية فيها. بحيث كانت سفن الكنفدراليين تؤسر عند دخولها لميناء طنجة، وهو الاجراء الذي كاد أن يجعل المغرب طرفا في قضية أمريكية داخلية. ومن جملة الاشارات التاريخية والسياسية التي وردت في مؤلف”العلاقات المغربية الأمريكية دراسة في التمثيل الدبلوماسي” هذا، ما تبين حول كون الولايات المتحدة بعد منتصف القرن التاسع ليست سوى جزءً من الحلف الأروبي، في زمن اصبح فيه المغرب يعيش تبعات ومشاكل ما منحه من امتيازات للدول الأجنبية، خاصة ما يتعلق بالتمثيل الدبلوماسي والقضاء القنصلي والحمايات القنصلية.

  سياق عام جعل صاحب المؤلف يخصص جانبا هاما منه لمقاربة قضايا التمثيل الدبلوماسي الأمريكي بالمغرب تحديدا اشكالية الحماية القنصلية، علما أن السلطان الحسن الأول طلب رسميا حماية أمريكية رُفضت بحجة كون الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمبدأ مونرو، وبدعوى عدم رغبتها في الزج بنفسها ضمن تعقيدات السياسة الأروبية. واذا كانت الولايات المتحدة- يضيف صاحب المؤلف- قد حصلت على شرعية وجودها بالمغرب عبر اتفاقية 1786 التي تم تجديدها عام 1836، فان ما زاد من توسيع هذا الحق هو ما عقد من أوفاق ومؤتمرات دولية بشأن المغرب، مثل ما حصل من خلال المجلس الصحي أو ما يعرف بمجمع العافية ثم فنارة رأس سبارطيل بطنجة ومؤتمري مدريد والجزيرة الخضراء.

وجاء في مؤلف الدكتور محمد بنهاشم أن العلاقات المغربية الأمريكية لم تكن ببعد سياسي فقط، بل بتوجهات اقتصادية منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر، من خلال ما أقيم من مشاريع اقتصادية في هذا الاطار من قبل بعض الأمريكيين بقصد تنشيط العلاقات التجارية بين البلدين، وأن وجهة النظر الأمريكية والألمانية المتقاربة حول المغرب، كانت وراء تحالفهما وانسجامهما في اللعبة الدولية آنذاك. ويضيف صاحب المؤلف أنه بعد وفاة السلطان الحسن الأول وانتقال العرش لابنه المولى عبد العزيز، دخل المغرب مرحلة ضعف شديد طبعته الفتن وتقاسمه تراجع اقتصادي وتهافت استعماري. فترة كانت – يقول – بنكهة خاصة لدى الأمريكان بتحوله الى موضوع انتخابي ووجهة باهتمام أمريكي، من خلال مثلا دعوته للمشاركة في المعرض الدولي بسان لوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتناول حياة السلطان عبد العزيز من قبل يوميات صحفية أمريكية.

ولم يغفل الباحث الحديث في مؤلفه حول العلاقات المغربية الأمريكية، عن الموقف الأمريكي من فرض الحماية الفرنسية على المغرب زمن المولى عبد الحفيظ. مؤكدا أنه موقف أكد فعلا أن الولايات المتحدة كانت الدولة الوحيدة التي بقيت حجر عثرة في طريق فرنسا، بعدما تم إبعاد القوى المنافسة لها كما بالنسبة لألمانيا وايطاليا وابريطانيا، وبعد ما قامت بعملية “بيع من الباطن” لاسبانيا بمنحها محمية داخل محمية بشمال المغرب. مشيرا الى أن الولايات المتحدة لم تعترف بحماية فرنسا على المغرب ولم توقع أي ميثاق معها بشأنه، محتمية بضمان مصالحها ومصالح مواطنيها ومحمييها به وبشرط الدولة ذات الأفضلية. بل رغم عودة فرنسا لطرح الموضوع من جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، رفضت الولايات المتحدة كل محاولة بدعوى أن المسألة تحتاج لموافقة الكونكًريس، حيث ظل الأمر معلقاً وعلى ما هو عليه الى غاية استقلال المغرب 1956.

 وقد خلص الدكتور محمد بنهاشم الى أن عمله العلمي “العلاقات المغربية الأمريكية دراسة في التمثيل الدبلوماسي”، كان بغاية تأصيل العلاقات المغربية الأمريكية وابراز أهمية مساهمة كل طرف فيها، مع نوع من التركيز على قضايا الانشغال الأهم لدى الجانبين أو التي كانت مثار خلاف بينهما في حدود ما توفر من وثائق تاريخية. مؤكدا أنه لازالت هناك مساحة اشتغال هامة حول قضايا هي في حاجة للتنقيب والبحث والدراسة والتمحيص والتحليل، كما الشأن بالنسبة للمشروع الاقتصادي الأمريكي في المغرب والمسألة اليهودية في العلاقات والسياسة المتوسطية للولايات المتحدة الأمريكية والموقف الأمريكي من المقاومة المغربية، خاصة قضية محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي أفادت بعض الوثائق حوله، عن مشاركة فيلق أمريكي الى جانب الفرنسيين خلال ما عرف بحرب الريف. اضافة الى دور القواعد الأمريكية في ترسيخ الوجود الأمريكي بالمغرب، وعلاقة الأمريكيين بالحركة الوطنية المغربية بعد 1944، والتي اعتمدها الأمريكان لمزاحمة الوجود الفرنسي بالمغرب. لينتهي الباحث من رحلة بحثه في العلاقات المغربية الأمريكية، الى أن ما تمت الإشارة اليه من قضايا دراسة عالقة هو ما ينبغي أن يتوجه اليه عمل باحثين حرفيين. وأن بالنسبة اليه فقد نفض الغبار عن أرشيف متعلق بالموضوع، كاشفا عن بعض أوجه العلاقات المغربية الأمريكية من خلال التمثيل الدبلوماسي.

 يبقى مؤلف “العلاقات المغربية الأمريكية دراسة في التمثيل الدبلوماسي”، للدكتور محمد بنهاشم الذي اعتمد ببليوغرافيا غنية ومتباينة جمعت بين عشرات المراجع الأجنبية والعربية، فضلاً عن مخطوطات محفظات بمآت الوثائق ذات القيمة الدبلوماسية في الفترة ما بين 1879-  1912، يبقى المؤلف بحق منهجا ومثنا ومقاربة وحصيلة، اضافة نوعية بقيمة وأهمية علمية بحثية تاريخية عالية لفائدة المكتبة الجامعية المغربية، خاصة حقل تاريخ المغرب الدبلوماسي وعلاقاته الخارجية عموما خلال هذه الفترة الدقيقة من زمنه المعاصر.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.