ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب : رقمنة المرافق الإدارية.. إلى أين؟

admin
كتاب واراء
admin2 مايو 2024آخر تحديث : منذ 7 أشهر
ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب : رقمنة المرافق الإدارية.. إلى أين؟

عبد اللطيف مجدوب

حري بنا التدليل على أهمية الإدارة، أو بالأحرى المرفق الإداري العمومي Public administrative utility””، كإحدى رافعات المستوى التنموي في بلد ما، فكلما كانت مؤشرات دينامية وذات حكامة رفيعة، كلما أضحت لعجلة التنمية استمرارية في التقدم والنماء، والعكس صحيح، كلما كانت هذه الإدارة بطيئة؛ تعاني من خلل بنيوي ما، كلما تباطأت نسبة النمو وضعفت مخرجاتها، وبالنظر إلى الدور المركزي والحيوي للإدارة والحكامة داخل الحقل التنموي العام، اتخذتها العديد من المؤسسات ومعاهد البحث الاقتصادي مقياسا ومؤشرا حيويا، على أساسه تم تصنيف الدول؛ من حيث مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي؛ تبعا لجودة أو رداءة مرافقها الإدارية وتعاطي المواطن معها.

وفي تصنيف لمؤسسة “Galob” ومركز “أكسفورد لأبحاث الرفاهية”… نجد أن الإدارة المغربية العمومية مازالت لم تبارح رتبة جد متخلفة منذ عقود، على الرغم من السرديات التي ما فتئت السلطات الإدارية تحاول إدراجها داخل المرافق العمومية، وبين أطرها العاملة، والتنصيص عليها من قبيل “تحديث إدارة”؛ “تقريب الإدارة من المواطنين؛ “الإدارة في خدمة المواطن”؛ “لا لمصلحة المواطن في خدمة الإدارة، وكان آخرها “رقمنة الإدارة”، أو ركوب تجربة “الإدارة الإلكترونية”.

أعطاب الإدارة العمومية

ليست هناك دراسة رصينة عن واقع إدارتنا العمومية، بل هناك ملاحظة أمبريقية (علمية) “Empiricism” في صورة تراكمات للاختلالات والأعطاب التي شابتها منذ عقود، يمكن الوقوف عند عينة منها في المؤشرات التالية:

– غياب شبه تام للحزم ومراقبة المرافق الإدارية؛

– القنوات الإدارية؛ داخل جسم مرفق عمومي؛ صورية وغير مفعلة في معظمها، مازالت تحكمها البيروقراطية والفوقية الإدارية؛

– شبكات التواصل الإداري، من هواتف وروابط إلكترونية جد بطيئة في فاعليتها، وأحيانا صورية، كاستعمال المرتفق للهاتف الذي يظل أخرس أمام تساؤلات المواطن، أما توظيف المواقع الإلكترونية الإدارية ففي كثير من الأحيان يدور في حلقات مفرغة؛ إذا استثنينا، وفي حالات خاصة، بعض المرافق المتصلة بقطاعات النقل والسياحة واﻷبناك، وبعبارة القطاعات المدرة للأرباح، وهي في الوقت، وأحيانا، غير مأمونة كاقتناء منتجات خارج المغرب باستعمال البطاقات البنكية، أو يتعذر الولوج إلى هذه المواقع الإلكترونية أحيانا لاختلالات تقنية طارئة.

– مازالت هناك حزمة من “التعقيدات الإدارية” تقف في وجه المرتفقين، وتفضي بالملفات الإدارية؛ في نهاية المطاف؛ إلى التماطل حينا أو المراجعة أحيانا أخرى؛

– مازالت “الزبونية” مستحكمة في هياكلنا الإدارية واستقضاء حاجيات المواطنين.

الرقمنة الإدارية

يخطو العالم حاليا خطوات عملاقة على درب “الحياة الرقمية” “Digital life “، أو “المجتمع الرقمي” “Digital nation”، وخضوع روابط التواصل والاتصالات “communications connection &” لمنظومات رقمية، بغرض الرفع من وتيرة الزمن وإيقاعه، وكذا تسريع إنجاز المعاملات، فكان لا بد من وجود خلية أولى لهذا الإيقاع والمتمثل أساسا في المرافق الإدارية، وتحويلها إلى مرافق إلكترونية (عن بعد) بمواصفات معينة؛ يتعيّن على المرتفق الإداري التعاطي مع أزراره في أغراض شتى، وضمن حقول وهياكل إدارية تسمح له بمساءلة العديد منها في استقضاء حاجياته، وتعيين عناوين إلكترونية لتلقي الأجوبة الآنية.

هذه الرقمنة الإدارية أو الحياة الرقمية عموما، حتمتها ضرورة الإيقاع السريع لعجلات النمو، وفي آن محاولة تقليص التدخل “البشري” ووساطته في استقضاء الحاجات الإدارية، ومن ثم العمل على الاستغناء عن الكوادر الإدارية البشرية التقليدية التي كانت تمر عبرها كل شبكات التواصل والاتصالات.

وبهذا المفهوم للرقمنة الإدارية، ستغدو السنة الإدارية؛ بالمفهوم الإجراءاتي “Procedural” لا تتجاوز ستة أشهر، أو بمعنى آخر، إذا كانت “الوثيقة الإدارية” يستلزم الحصول عليها نصف ساعة سابقا، فستصبح؛ في ضوء هذه الرقمنة؛ متاحة في أقل من بضع دقائق، والصفقات بين الأفراد والشركات فسيتسنى إبرامها في أمد لا يتجاوز ثلاثة أيام بدلا من ثلاثة أشهر من الانتظار، كما أن هامش “الأخطاء الإدارية” سيتقلص إلى الصفر، طالما أن علاج الملفات وتدبيرها يتم بسرعة قياسية، وفي آن واحد ستتخلص من جيوب البيروقراطية وتفشي الفساد الإداري.

الرقمنة الإدارية وفرص الاستثمار

إدارتنا أو بالأحرى مرافقنا الإدارية؛ في عموميتها؛ مازالت خاضعة للنسق التدبيري العتيق والموسوم بالبطء والتماطل، إلا أن هناك مصالح إدارية مركزية عمدت؛ في الآونة الأخيرة وتحت ضغوطات الشكاوى الإدارية ونداءات الاستصلاح؛ إلى تعزيز مرافقها الإدارية “بمواقع الكترونية ” متاحة في وجه المواطنين المرتفقين الإداريين “Administrative “easement، إلا أن التجربة أثبتت “عقمها”، تفضي بالمرتفق؛ في نهاية المطاف؛ إلى حيث بدأ!، رقم الشكاية مصحوب برقم الهاتف أو البريد الإلكتروني، ثم مرحلة العلاج، وأخيرا إحالته على مصلحة، ولا تفتأ هذه الأخيرة أن تعرضه على المصلحة التي انطلق منها! دوامة مفرغة، أما توظيف العناوين الالكترونية الإدارية؛ إن على مستوى المصالح المركزية أو الجهوية؛ هو الآخر مجرد “واجهة” “Vitrine” غير مفعلة بالمرة، وحتى إذا حاول المرتفق “تجريب” هاتف لمصلحة أو مرفق إداري معين، حكمت عليه بالانتظارية لأربع أو خمس دقائق، حتى ينفد صبره، فيعدل عن الاتصال ثانية.

وجدير بالإشارة إلى أن عروض الاستثمار الأجنبية التي تتوافد على المغرب، كثيرا ما تصطدم بهذه البنية الإدارية المعقدة، فتقرر البحث لها عن وجهة استثمارية أخرى غير المغرب، وهكذا تضيع فرص استثمارات عديدة، لا لشيء سوى منظومته الإدارية الضاربة في القدم والبيروقراطية والتماطل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.