حسوني قدور بن موسى
يعيش الانسان و يتغذى بالخبز و الانسان البسيط يصف الخبز ب ” النعمة ” و من عادة المغاربة أنهم يقدسون الخبز فلا يضعونه في قمامة الأزبال الوسخة و لا يجوز رميه في الشارع حتى لا تدوسه الأقدام ، و منذ أن خلق الله الانسان يعتبر الخبز منأولويات الناس البسطاء في حياتهم.يمثل الخبز الغذاء الأساسي للمواطن في كثير من البلاد العربية، كما انه مكون غذائي أساسي في الكثير من أكلاته ويرمز الخبز كذلك لاستقلال الدولة وعدم اعتمادها على المعونات الخارجية.
شهدت العديد من الدول العربية منذ السبعينيات موجة احتجاجات شعبية في الشوارع اعتراضًا على سياسات التقشف ورفع أسعارغالبية السلع الغذائية و خاصة الخبز، واجهتها الأنظمة الحاكمة في معظمها بالقمع و الاضطهاد و الاعتقالات الواسعة ، مما أسفرعن سقوط العديد من القتلى والجرحى ما يشير بجلاء الى أن غالبية البشر همهم الأساسي هو قوت يومهم و متطلبات حياتهم ، كما وقع في مصر سنة 1977 في عهد الرئيس أنورالسادات احتجاجا على رفع ثمن الخبز، و وصف السادات انتفاضة الخبز بأنها ” انتفاضة حرامية ” كان رد فعل الشارع السياسي على الزيادات خروج الناس الى الشوارع حتى استجابت الحكومة المصرية و تراجعت عن الزيادة في الأسعار، اتهم أنور السادات هذه المظاهرات بأنها ” مخطط شيوعي لاحداث البلبلة في مصر و قلب نظام الحكم ” ، هذا هو أسلوب الحكام العرب ، فكلما انتفض الشعب يوما للمطالبة بحقوقه المشروعة اتهمه الحاكم الجبروت بالخيانة للوطن و هذه ذريعة يستعملها الحكام العرب تسهل لهم اعتقال الحقوقيين و الصحفيين و العمال و الطلبة النشطين لشل حركات التحرر من الاضطهاد و العبودية و الاستعلال.
و كذلك الانتفاضة التي وقعت في تونس سنة 1983 ضد مضاعفة ثمن الخبز في عهد الرئيس بورقيبة الذي قام بقمع المتظاهرين و نتيجة الضغط الجماهيري تراجع نظام بورقيبة عن قرار رفع ثمن الخبز ، و في سنة 1988 انتفض الجزائريونابان حكم الشادلي بن جديد ضد ارتفاع المعيشة و خاصة ثمن الخبز. و تسبب قرار رفع ثمن الخبز من طرف الحكومة السودانية في مظاهرات عنيفة دامية عمت معظم المدن في بداية السنة الماضية وظهور ما يسمى “الخبز التجاري ” كان على ما يبدو الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ، لكن من المؤكد أن السودانيين عانوا مشاكل اجتماعية صعبة فضلا عن واقع سياسي مليء بالأزمات ، كان الرئيس المخلوع عمر البشير يسعى فيه الى تعديل الدستور حسب هواه و مطامعه السياسية للجلوس على كرسي الحكم الذي استحوذ عليه بقوة السلاح منذ سنة 1989 و ذلك من أجل أن يبقى جاثما على صدر الأمة السودانية طوال حياته على غرار باقي الحكام العرب الآخرين ، وظلت الاحتجاجات الشعبية صامدة في وجه قوات القمع الى أن سقط نظام حكم عمر البشير العسكري، و أكثر ما فاجأ الحزب الحاكم في السودان هو عفوية المظاهرات من خلال التنظيم والشعارات التي انطلقت من مناطق تعتبر من معاقل الحزب الحاكم ، وهذا يعني أنه عندما يتم تجويع الشعب و انتهاك كرامة المواطنين و شعورهم بالاذلال و المساس بقوت عيشهم فانهم ينقلبون على الحزب الذي كانوا ينتمزن اليه لأن الخبزعند الناس البسطاء هو ” النعمة ” وكذلك لا ننسى الانتفاضة التاريخية سنة 1984 في المغرب المعروفة بانتفاضة التلاميذ ، انتفاضة الجوع أو الخبز انخرطت فيها شرائح اجتماعية أخرى ضد املاءات صندوق النقد الدولي التي كان من نتائجها ارتفاع المعيشة و تطبيق رسوم اضافية على التعليم تميزت بمواجهات أمنية كبيرة و اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين ، عرف المغرب في تلك الفترة احتقانا اجتماعيا غير مسبوق بلغ مداه حينما قررت الحكومة الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية بشكل كبير وصلت في ظرف ستنين الى 180 في المئة بالنسبة للدقيق الذي هو مصدر الخبز .
الناس البسطاء لا يطالبون أكثر من توفير قوتهم المعيشية اليومية و لا يطمعون في العيش في القصور و البذخ و الترف و مع ذلك فان احتجاجاتهم تواجه بالقمع و الاضطهاد و الاعتقالات و اتهامهم بالخيانة للوطن في حين أن من يسعى الى تجويع شعبه هو الخائن …