سيادة الغربال!
أحمد إفزارن
قادم لا محالة..
“سيادة الغربال” في الطريق..
إلينا وإلى غيرنا.. ولا استثناء!
العالم مقبل على خارطة جديدة.. من يفوز، يبقى.. ومن لا يفوز، يكون من الساقطين..
وإفلاتنا نحن من “قبضة” الغربال، ليس أمرا مستحيلا.. وليس هينا!
الإفلات ممكن، ونحن على مشارف هذا “التباري” العالمي، الصامت، والجبار، من أجل المرور من “ثقب أسود” قد نصبته لنا دول كبرى!
والدول الكبرى نفسها معنية بثورة الغربال..
لقد دخل العالم في غربلة شمولية لأفراد وجماعات، ودول، وتكتلات دولية، تحت غطاء: البقاء للأصلح..
ولا تنفع في هذا “التباري” لا علاقات، ولا مصالح، ولا حتى رشاوى من أثقل عيار..
وفي خضم هذا الصراع العالمي من أجل البقاء، يتضح أن ثقوب الغربال الدولي تضيق، وتصغر، وتكثر.. وليس غريبا أن يسقط- من الثقوب – كثيرون..
وكل الدول الفاشلة ديمقراطيا، والفاسدة إداريا وتدبيريا، قد انتهى وقتها..
هي مرشحة للسقوط في “الجولات” الأولى من “المنافسة” العالمية..
– وفي النهاية، إما نكون نحن، أو لا نكون!
والدول التي تعمل بجد ونزاهة، ولا تنتج مشاكل إضافية لمسيرة العالم، هذه قد لا تتعرض للإقصاء، وبالتالي يتجنبها السقوط..
بينما الدول التي لا يعرفها العالم إلا بنشاطاتها العنيفة، والتطرفية، والعنصرية، واللاديمقراطية، واللاعادلة، واللاإنسانية، فهذه لا مكان لها في الخارطة الدولية المقبلة..
والبقاء للأفيد والأصلح، كبيرا كان أو صغيرا، هزيلا أو ضخما، فقيرا أو هو غني بالعقل والضمير!
– كل المقاييس تختلط!
ومثل هذه المنافسات، في كوكبنا الأزرق، كانت تلقائية، حتى في ماض سحيق، داخل الطبيعة نفسها.. الطبيعة تنتقي الساقطين، ومن يبقون في خارطة العالم..
واليوم، وقد أصبح العالم يخضع لتقنينات، وتنظيمات، وتعقيدات، تقوم “الأسرة” الدولية بمساعدة دول فاشلة على الانهيار.. تساعدها على أن تنتهي..
تساعدها على إنهاء نفسها بنفسها..
وعلى الزوال من الخارطة..
لكي تبقي مكانها للغير..
– والبقاء للأصلح!
وحتى الدول الكبرى نفسها فيها مرشحون للزوال، ومرشحون للبقاء..
دول تبقى.. وأخرى تزول..
منطق الغربال يقتضي ألا تستثني الإقصاءات أحدا، كبيرا كان أو صغيرا..
ولا مراعاة حتى “للكبار” الذين يشرفون على إجراء منافسات الغربلة، في أجواء غير مضرة بمدار كوكب الأرض..
الكبار أنفسهم فيهم من سيقصيهم “سيادة الغربال”..
والخارطة العالمية سوف يحكمها التغيير..
التغيير ضرورة حتمية لإنقاذ الحياة..
– العالم يتغير!
والبقاء يتم وفق مقاييس جديدة..
الأصلح لا يكون أصلح بالعضلات، والقوة العسكرية، والقدرة على الترامي، والهيمنة…
العقلية المزاجية والمصلحية، هي نفسها تسقطها الغربال..
ستتقوى مقاييس دولية جديدة، على قاعدة حقوقية تتمثل في: الإنسان والطبيعة والحياة..
– والبقاء للأصلح، إنسانيا وسلوكيا، مع كل ما هو بقاء للحياة، على كوكب الحياة..
والعالم، بصيغته الحالية، لم يعد قادرا على تحمل أعباء دول فاشلة.. فاسدة.. منتجة لتقنينات سوداء، ظلامية، على أوراق بيضاء.. وعمليا تطبقها على كثيرين، لفائدة فئة محدودة..
القانون فيها مجرد كلام على ورق..
ولا يطبق على الجميع..
هو منسوج على مقاس أقلية انتفاعية..
وهذه دول “مريضة” لا تجهل مآلها، في خضم انتقادات وصراعات داخل خريطة يعيش بها اليوم حوالي 8 ملايير نسمة، على كوكبنا الأزرق..
سكان الأرض أنفسهم يعرفون الدول الصالحة، والدول الطالحة..
إن الدول المختلة تعرف نفسها، ومكانتها الحقيقية في حلبة السباق الدولي..
والعالم أحوج ما يكون اليوم إلى هذه الغربلة..
الغربلة ضرورية، وإلا فالكل غارق.. الكل معرض للزوال..
– ولا محيد عن تشغيل الغربال..
وفي خضم هذه التوقعات، تتخذ الدول الذكية كامل الحيطة والحذر، مع إصلاح أخطائها، وتحقيق مصالحة مع شعوبها، وعدالة اجتماعية، واستحداث قوانين مدنية على أساس أن تكون هي “دول مؤسسات”: لا دول تجار الدين، أو تجار السياسة، أو سماسرة المال والأعمال، أو غير هذه من الإيديولوجيات الإقطاعية التي أكل الدهر عليها وشرب..
العالم قد أصبح أكثر وعيا بأن كوكبنا معرض لمخاطر كثيرة، منها احتمال حروب قد يتم فيها استخدام أسلحة من أفظع ما أنتجه البشر..
– مع احتمال تعرض كوكبنا لكوارث إشعاعية، أو كيماوية، أو جرثومية، أو بيئية، قد تأتي على الأخضر واليابس..
وقد تخرج كوكبنا عن مداره!
ولم يعد من خيار على الصعيد العالمي، وأيضا على مستويات محلية، إلا مساعدة الدول المعرضة لمخاطر، بسبب سوء التدبير والتسيير.. مساعدتها لكي تقصي نفسها بنفسها من البقاء، ومساعدة دول جادة على أن تواصل مشوار الاستمرارية، وتظل باقية.. حاضرة.. فاعلة..
– وفي كل الأحوال: البقاء للأصلح!
ولا غرابة أن تتعرض الدول الهشة، إنسانيا وسلوكيا، لاهتزازات متتالية قد تعصف ببعضها في البداية، وبكثيرات في نهاية المنافسة..
وليس بالضرورة أن يكون البقاء، في العالم، للأكثر ثراءا، والأكثر تسلحا، بل للأكثر تعقلا، وحكمة، وتشاركا، وتعايشا، ودراية بكيفية إخراج نفسها من أنفاق دولية محفوفة بمخاطر..
ولا دولة في العالم أصبحت ملك نفسها.. تفعل ما تشاء.. ولا واحدة أصبحت طليقة اليدين..
– العالم فوق الجميع..
وفوق الأقطاب الكبرى..
وهذا العالم مقبل على ضوابط حاسمة في كيفية التعايش، سواء على الأرض أو في المحيطات أو الفضاء..
ومن يحسب نفسه يملك البحر أو الجو أو حتى القمر، أو أي كوكب آخر، هذا مجرد خيال، ولا يشفع له بالانفلات من عنق الزجاجة..
وإذا كان أمام دول مختلة، متسع من الوقت، فعليها بتدارك الموقف..
– لعل وعسى…!
وعليها بمصالحة مع نفسها..
ومع البيئة الطبيعية، لكي يكون الهواء من حقوق الجميع.. وتكون الحياة للجميع..
وضرورة المصالحة مع شعوبها، لتمكين هذه الشعوب من العيش في سعادة فردية وجماعية، لا في شقاء، نتيجة اصطناع النزاعات والتوترات والظلم والاحتكار..
– لا للاحتكار!
ومن يحتكر، هو ينتحر..
ويقضي على نفسه في النهاية!
ولا محيد عن التصفيات..
ولا يبقى في الخارطة الدولية الجديدة إلا ما هو صالح.. مفيد.. إيجابي..
والسيئ ينتهي إلى زوال..
الغربال يفصل بين المضر والمفيد.. والسلبي والإيجابي..
وفي المنافسات مؤشرات تهمنا نحن أيضا، ومنها سوء توظيف التعليم، اعتبارا لكونه يستطيع أن يفعل الكثير من أجل كل الإنسانية..
فهل نحن نستخدم التعليم فقط للتسلق إلى مناصب؟ أم من أجل معرفة أحسن، لتدبير وتسيير المسؤولية بكيفية أنضج؟ أم نستخدم التعليم فقط للقراءة والكتابة والحساب، أي تكوين تقنيين، لا أكثر؟ أليس من واجب التعليم تدريب العقول كيف تفكر، وتنتج الحلول، وتطور البلاد بأفكار وابتكارات؟ هل تعليمنا أداة لإحياء الضمائر؟ أم لتنشيط الاستغلال والانتهاز؟
– وما موقفنا نحن من هذه المنافسة العالمية المنتظرة؟
يبدو أن مسؤولينا – هنا – لا يعبأون..
ما زالوا يتصرفون كأنهم وحدهم في العالم..
والعالم لا يملكه أحد..
العالم للجميع..
ومن يسيء للعالم، ينزلق إلى أسفل سافلين..
ونحن أصبحنا خارج الأحداث.. لا نفكر إلا بطريقتنا القديمة: لا مشاورات! لا استشارات! ولا استقراءات جادة لما يحمله لنا مستقبل غير بعيد!
ولا تصور لمسؤولينا في ما يحمله الغد..
وفي ضرورة عالمية تتمثل في تطهير الذات، وإزالة المواد الملوثة، العالقة في المحيطات، وفي الفضاء، وفي الأدمغة..
“الطقس العالمي” لا يحمل تطمينات..
وفي نفس الوقت، لا تفكير لمسؤولينا عن ضرورة جودة الحياة المشتركة..
الطاغي عليهم: نهب، وهيمنة، وسيطرة، وتضييع لحقوق الضعفاء..
وليست لهم تصورات بعيدة المدى..
أصواتهم مبنية على مصالح آنية ذاتية.. وكأن المصالح هي وحدها مستمرة.. دائمة..
بينما العلاج بسيط.. في منتهى البساطة..
هو الجد في تدبير شؤون البلد..
والجد في التعامل مع العالم، على أساس العيش المشترك.. وإلا، فالبقاء للأصلح!
– والكلمة الأخيرة للغربال!