نزار بولحية
في أول ظهور له بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله قال الشيخ نعيم قاسم الاثنين الماضي: «رغم فقدان عدد من القادة والاعتداءات على المدنيين والتضحيات الكبيرة، لن نتزحزح قيد أنملة عن مواقفنا، وستواصل المقاومة مساندة غزة وفلسطين دفاعا عن لبنان وشعبه». ومن المؤكد أنه كان من الضروري في هذا الظرف بالذات، وفي خضم المواجهة المفتوحة مع الإسرائيليين، أن يصدر مثل ذلك التأكيد من جانب نائب الأمين العام للحزب، للدلالة على قدرته على التماسك بعد الضربة القوية التي تلقاها بقتل أحد أبرز الوجوه القيادية فيه وهو حسن نصر الله.
غير أنه لا يزال مبكرا حتى الآن معرفة ما إذا كانت الإشارة إلى عدم تزحزح الحزب قيد أنملة عن مواقفه تعني ضمنيا، أنه لن يغير من أولوياته، ولن يقوم بالتالي ببعض المراجعات المطلوبة في علاقة بعدة مسائل ومن بينها، انخراطه بشكل مباشر أو غير مباشر في الخلافات والصراعات العربية العربية؟ ولعل ما يتفق عليه كثيرون اليوم هو أن هناك صفحة سابقة في المشرق العربي قد اقتربت من نهايتها، وأن هناك أخرى توشك أن تفتح لاحقا فيها، لكن هل ستكون للأوضاع وللترتيبات الجديدة التي ستظهر بعد فترة تأثيرات ما على منطقة المغرب؟ وفي هذا الصدد بالذات هل سيكون من الممكن الجزم على المدى القصير بأن الجزائريين قد خسروا باستشهاد حسن نصر الله واحدا من أبرز حلفائهم أو شركائهم في المنطقة، فيما استطاع المغاربة أن يتخلصوا بالمقابل من واحد من أعدائهم فيها؟
ظاهريا قد تبدو الصورة في نظر البعض ومن أكثر من زاوية على الأقل على ذلك النحو، لكنها قد لا تكون مع ذلك دقيقة تماما، فمع أن الجزائريين وقفوا دبلوماسيا إلى جانب حزب الله، واعتبروا قبل ثماني سنوات من الآن وعلى لسان وزير خارجيتهم في ذلك الوقت رمطان لعمامرة، وبعد مصادقة وزراء الداخلية العرب على تصنيفه منظمة إرهابية، أن الحزب «حركة فاعلة في الداخل اللبناني، وهذا بفضل الترتيبات التي أسهم بها الفاعلون العرب في اتفاق الطائف»، في إشارة واضحة إلى السعودية، التي كانت حينها وراء قرار تصنيفه إرهابيا، قبل أن يضيف، «علينا أن نحترم أولا دستور لبنان، ونحترم الترتيبات التي يبنى على أساسها التعايش في هذا البلد». ومع أن المغاربة أقدموا بدورهم قبل ست سنوات من الآن على قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع إيران، معتبرين السبب الرئيسي وراء ذلك، حسبما ذكره وزير خارجيتهم في تصريحات إعلامية أدلى بها في ذلك الوقت، أن الحزب الذي يعتبرونه كآخرين واحدا من الأذرع الإيرانية في المنطقة بدأ يتدخل فيما رآها ناصر بوريطة أمورا تمس مصالح بلاده الخاصة، وقضايا حساسة بالنسبة إلى المغرب والشعب المغربي، وهي قضية الصحراء بالدرجة الأولى، على حد وصفه، قبل أن يشير وفي السياق ذاته إلى أن «الدعم الإعلامي بدأ من خلال حزب الله، ومن خلال العمل الذي كان يقوم به ومن خلال دعوة أفراد من البوليساريو إلى اجتماعات ينظمها حزب الله في لبنان، فضلا عن القبض على شخص مهم في تنظيم حزب الله سلم إلى الولايات المتحدة»، ويضيف بأنه تم بعدها «المرور إلى مرحلة أخرى تهم تقديم الدعم اللوجيستيكي وتدريبات عسكرية ثم زيارات أطر أمنية في حزب الله بتنسيق مع السفارة الإيرانية بالجزائر»، ليؤكد في الأخير أن كل المعلومات التي ذكرها موثقة «بمواعيد وأسماء وأماكن»، إلا أن عقدة الحل والربط ظلت دائما وأبدا هي اختلاف مصالح البلدين مع طهران، أكثر من أي شيء آخر.
لقد كانت تلك المواقف تعكس التباين الواضح في وجهات النظر بين الجارتين المغاربيتين حول كيفية التعامل مع طهران، ولم تكن تشير في حقيقة الأمر إلى وجود اختلاف بنيوي، أو تعارض جوهري بينهما حول مقاربتهما للقضية الفلسطينية، أو للمسائل المتعلقة بلبنان، حتى بعد إعادة الرباط لعلاقتها مع تل أبيب، على اعتبار أن تبني البلدين لخيار حل الدولتين، الذي أقرته الجامعة العربية ظل قائما. وهنا فإن النظر إلى الجزائر على أنها جزء مما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، واعتبار المغرب ضمنيا منتميا للمحور المقابل، كان يعكس وإلى حد كبير، جانبا من حالة الاصطفاف الإقليمي التي عرفتها المنطقة، إما مع إيران أو ضدها. ولأجل ذلك فإن الزلزال السياسي العنيف الذي ضرب المنطقة باغتيال تل أبيب لنصر الله، ربما يخفف قليلا من تلك الحالة بعد أن سبق للتطبيع السعودي الإيراني، أن وضع قبل فترة علامة استفهام كبيرة حول مآلاته المستقبلية. وبالنسبة للبلدين المغاربيين، فإن الملاحظة التي قد تكون هنا جديرة حقا بالاهتمام هي أن ردة الفعل الأولية داخلهما على تأكيد حزب الله رسميا صباح السبت الماضي انتقال «سيد المقاومة إلى جوار ربه ورضوانه شهيدا عظيما قائدا بطلا مقداما شجاعا حكيما مستبصرا مؤمنا، والتحق برفاقه الشهداء العظام الخالدين، الذين قاد مسيرهم نحوا من ثلاثين عاما، قادهم فيها من نصر إلى نصر»، مثلما جاء في بيان الحزب في أعقاب الغارات العنيفة التي شنها الإسرائيليون مساء الجمعة الماضي على مقره في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم تختلف فيهما لا على المستوى الشعبي ولا الرسمي. إذ كان واضحا أن الصدمة والتعاطف كانا القاسم المشترك بين البلدين والسبب هو ليس الإجماع الحاصل داخلهما على شخص حسن نصر الله، بل اقتناع الرأي العام فيهما بالحاجة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وعدم الاستسلام والرضوخ له.
أما على المستوى الرسمي فقد التزم البلدان هنا بما قامت به معظم الدول العربية أي تجنب التعليق على اغتيال نصر الله، وبالتالي لم يدل المسؤولون فيهما، إلى حد الآن بأي تصريح إعلامي حول الموضوع خلافا لما حصل أواخر يوليو الماضي أي مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، حين أدان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بشدة، في مؤتمر صحافي تلك العملية ووصفها بـ»الارهابية الغادرة والشنيعة». والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو لماذا لم يصدر الجزائريون الذين من المفترض أن تكون لهم، وعلى عكس المغاربة، علاقات جيدة بحزب الله بيانا، أو حتى تصريحا مماثلا لتصريح وزير خارجيتهم حول اغتيال هنية، يدين الإسرائيليين هذه المرة على جريمة اغتيال أمين عام الحزب وقادة آخرين بارزين فيه؟ هل إن السبب أن الجزائر تريد في هذه المرحلة بالذات أن تنأى بنفسها نوعا ما عن إيران؟ ثم لماذا امتنع المغاربة بدورهم عن إصدار بيان إدانة لتلك العملية؟ هل لأنهم لا يزالون يذكرون بمرارة حتى الان اتهامات خارجيتهم للحزب اللبناني بالقيام بتدريب عناصر من البوليساريو؟ من الواضح أن اغتيال نصر الله لن يعني نهاية المقاومة، لكنه قد يكون إشارة إلى تقلص الدور الايراني في المنطقة، ما يجعل طهران تقف على محك عدة اختبارات قد يكون أحدها هو موقفها غدا من الجزائر والمغرب.
كاتب وصحافي من تونس