- نزار بولحية
على مدى خمسين عاما أُنفقت ملايين الدولارات على اللقاءات والجلسات والبعثات الأممية وقوات حفظ السلام، لكن ماذا كانت النتيجة؟ إلى الآن لم يعلن عن حل نهائي لمشكل الصحراء، وليس سرا أن هناك من سعى ويسعى للحؤول دون ذلك، لكن إلى متى سيستمر الحال على ما هو عليه؟ وهل ستحمل أحدث إحاطة سيعرضها ستيفان دي مستورا على مجلس الأمن الدولي منتصف الشهر الجاري أي جديد؟ أم أنها لن تختلف عن سابقاتها؟ لقد زار الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالصحراء، قبل أيام، وكما دأب على فعله في مثل تلك المناسبات المنطقة، واستمع إلى أطراف النزاع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الذي يمكن أن يكون قد خرج به بعدها؟ هل تراه توصل إلى قناعة بأن جبهة البوليساريو، التي نظمت له الجمعة الماضية، وفور وصوله إلى مخيمات تندوف زيارة إلى مخزن للبيض، للدلالة على أنها بالفعل باتت تملك مؤسسات حكومية قادرة على إدارة دولة، حتى لو كانت على الورق فحسب؟ وهل تراه اقتنع أيضا بما قاله له زعيمها في اليوم الموالي من زيارته من أنها «متمسكة بمواقفها الراسخة والمدافعة عن الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي، ومواصلة الكفاح حتى انتزاع الاستقلال»؟ أم أن ما بقي في باله هو فقط ما شاهده قبل شهور في مدينة العيون، التي تصفها الجبهة بالمحتلة، من معالم نهضة ونمو جعلته على يقين تام بأن الحل العملي والواقعي الوحيد للمشكل الصحراوي هو، الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية؟
من الواضح أن كثيرين لا يعولون على الجلسة المنتظرة لمجلس الأمن ولا يتوقعون أن تصدر عنها إجراءات أو قرارات حاسمة ومصيرية. لكنها في المقابل قد تشكل منعرجا فارقا في مسيرة الدبلوماسي السويدي المخضرم، فمستقبله السياسي والدبلوماسي كممثل شخصي للأمين العام للأمم المتحدة مكلف بالصحراء سيكون، أكثر من أي وقت مضى، على المحك، وأمامه، كما يبدو، خياران وهما، إما العمل على تطويق البرود الذي شاب علاقته بالرباط في الشهور الأخيرة، بعد مقترحه المثير للجدل حول تقاسم الصحراء بينها وبين البوليساريو، ومحاولة إقناع أطراف النزاع، بأنه يقف على خط واحد من كل واحد منهم، وتجنب استثارتهم، أو إغضابهم بالانجرار وراء أي مغامرة غير محسوبة العواقب، أو قول الحقيقة كاملة كما هي، وتحمل النتائج التي قد تنجر عن ذلك. ومن البديهي أنه يعي في تلك الحالة جيدا حجم التحدي الكبير الذي سيواجهه وأنه قد يضع لا مستقبله المهني فقط، بل ربما حتى حياته على كفه، إن هو تعدى أو تجاوز ما قد تعتبرها بعض الأطراف والقوى الدولية محرمات أو خطوطا حمرا. الثمن سيكون باهظا بلا شك، لكن هل سيكون دي مستورا، قادرا وهو على أعتاب أعوامه الثمانين على دفعه؟ بمقدوره أن يقدم أمام أعضاء مجلس الأمن، الإحاطة الكلاسيكية الجاهزة التي يرغب بها الخمسة الكبار، الحائزون العضوية الدائمة فيه، ويمضي بعدها في حال سبيله، كما فعل مرات عديدة هو وأسلافه من قبل. لكن لنتخيل أنه وفي صحوة ضمير مفاجئة، قرر أن يسلك الطريق المعاكس ويقدم إحاطته على الشكل الاتي: «حضرات المندوبين الكرام للدول دائمة العضوية والدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أمثل بينكم اليوم في هذه الجلسة المغلقة، التي يعقدها مجلسكم الموقر، لأقدم لكم الإحاطة الدورية حول نزاع الصحراء، بصفتي الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالملف. واسمحوا لي في البداية بأن أخبركم بأني لن ألقي على مسامعكم تقريرا جاهزا وجافا من تلك التقارير التي اعتدت ومن سبقوني في المنصب على عرضها أمامكم، حتى أؤدي دوري كاملا في المسرحية المملة والسخيفة، التي قبلت الاشتراك فيها معكم وسميتموها زورا وبهتانا حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. إنني أعرف جيدا وبغض النظر عن فحوى ما سأعرضه عليكم ما الذي ستفعلونه بعد الاستماع لي، وكيف أنكم ستخوضون في نقاشات حادة وحامية في ما بينكم حتى تتفقوا في الأخير على تأويل حرف أو كلمة أو على المكان الأنسب لوضع فاصلة أو نقطة وتخرجوا في النهاية ببيان جديد تكررون فيه دعوتكم لأطراف النزاع حتى تتفاوض تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة بحسن نية، ودون شروط مسبقة وتذكرون فيه أنكم ملتزمون بمساعدتهم للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول، قبل أن تسدلوا الستار بعدها عن فصل آخر من فصول مسرحيتكم الطويلة لتعاودوا بعد سنة أو ستة شهور، فتح فصل آخر تختمونه كالعادة بالدعوات والمناشدات نفسها. لكن اسمحوا لي أن أقول لكم إني مللت من أداء هذا الدور ولم أعد راغبا في أن أكون شريكا لكم في مسرحيتكم ونفاقكم وأكاذيبكم، أو أكون شاهد زور في اللعبة القذرة التي تمارسونها بنزق وجنون، بهدف بيع مزيد من أسلحتكم وصناعاتكم العسكرية لأطراف النزاع، وابتزاز كل واحد منهم على حده وانتزاع مزيد من التنازلات منه، وتوسيع دائرة مصالحكم في المنطقة. لقد حان الوقت لأقول لكم كفى تشدقا بالشعارات العظيمة التي تخفون وراءها أطماعكم ورغباتكم في الهيمنة على أقدار الشعوب ومصائرها. ولعلكم ستتعجبون من كلامي وستقولون عني أني قد أصبت بالخرف أو بالجنون. لكن لا بأس لن تزعجني اتهاماتكم أبدا، ولن ألقي بالا لما قد تصفونني به، أو حتى لما قد يصيبني غدا جراء ذلك، إنني مستعد لما ينتظرني. وفي مثل هذا العمر لم يعد لديّ ما أخسر. اسمعوني جيدا حضرات المندوبين الكرام، لن آخذ الكثير من وقتكم وسأختصر عليكم الطريق. انتم تعلمون أنكم أنتم من صنع نزاع الصحراء، وأنتم من رتب لاستمراره، وأنتم من لا يريد أن يضع له نهاية. فما جدوى الإحاطات والتقارير والبعثات الأممية والقرارات التي تصدرونها؟ لقد بدأ كل شيء قبل خمسين عاما حين أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها الذي قالت فيه إن تلك المنطقة لم تكن أرضا بلا صاحب، وإنه كانت هناك روابط بين شيوخها والعرش المغربي تتمثل في تقديم هؤلاء البيعة لعاهل المغرب. وما فعله قضاة المحكمة حينها هو أنهم أقحموا السياسة عنوة في القانون، حين قالوا إن تلك الروابط لا تعني السيادة أو الملكية الشرعية للإقليم و»لا تنطبق على تقرير المصير من خلال التعبير الحر والصادق عن إرادة شعب الإقليم». لقد كانت تلك نقطة الانطلاق الأولى لتلك الخدعة الكبرى التي روجتم لها على مدى عقود حتى تحولوا الصحراء إلى نزاع دولي مستمر. لكن ألم يكفكم نصف قرن من الصراع، الذي ألقى ظلاله على الشمال الافريقي كله؟ هل ما زلتم ترغبون في الاستمرار في مسرحيتكم لنصف قرن آخر؟ إن كانت تلك رغبتكم فيشرفني أن لا أكون معكم». أما هل سيقول دي مستورا ذلك أم لا؟ بعد أيام سنعرف.
كاتب وصحافي من تونس