ازدواجية المعايير في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان..

admin
كتاب واراء
admin14 ديسمبر 2021آخر تحديث : منذ سنتين
ازدواجية المعايير في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان..

                                                                         حسوني قدور بن موسى

                                                                   المحامي بهيأة وجدة

يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 مجموعة من المبادئ تخص حق الفرد في الحرية والمساواة والحياة والسلامة الشخصية، وحق التملك والضمان الاجتماعي والعمل والتعليم ومستوى كاف للمعيشة والحق في الصحة والرفاهية… كما تنص المادة 8 من الإعلان نفسه على حق كل شخص في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على حقوقه الأساسية التي يمنحها إياه القانون، ونصت المادة 10 على أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا للفصل في حقوقه والتزاماته وأي تهمة جنائية توجه إليه  ثم تلت هذا الإعلان إعلانات وعهود ومواثيق دولية تعنى باستقلال السلطة القضائية والتعذيب ومعاملة المجرمين والمرأة والطفل الخ… هذه المبادئ الحقوقية وضعت سنة 1948 ونحن اليوم نعيش في القرن 21 حيث تغيرت المفاهيم وتعددت الجرائم وتنوعت أساليب الإجرام، فأصبح من الضروري تحديد مفهوم هذا الإنسان الذي يطالب بكل الحقوق بل بحقوق دخيلة وغريبة على المجتمع المغربي ، مثل حق المرأة المسلمة في الزواج بغير المسلم والحق في تغيير الدين والعقيدة و الحق في مغادرة البلاد و العودة اليه لكن هذا المبدأ لم يعد قابلا للتطبيق بل أصبح مقيدا بالحصول على تأشيرة الدخول ( الفيزا )…
ولأول مرة منذ صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وما تبعه من عشرات الإعلانات والعهود والمؤتمرات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وضعت هذه الحقوق في قفص الاتهام باعتبار أن الإفراط والمبالغة في حمايتها يتحمل مسؤولية تهديد ( الأمن القومي ) للدول، الأمر الذي أسفر في نهاية الأمر عن التهديدات التي تعرضت لها الرموز الاقتصادية والحضارية والعسكرية لأقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تضع نفسها موضع الرائدة والمدافعة والوصية على  حماية مبادئ حقوق الإنسان في العالم فأخذت تتعامل مع مسألة حقوق الإنسان بحذر شديد بعد أحداث 11 سبتمبر، وقد أسفر هذا الموقف الذي تتعارض فيه مسألة حماية الأمن القومي من ناحية، وحماية حقوق الإنسان من ناحية أخرى، عن إضفاء الشرعية على عدد من التراجعات ذات الطابع القانوني عن المبادئ الدولية لحقوق الإنسان  بصدور عدد من التشريعات في الدول الغربية التي تحد من الحقوق والحريات الفردية  بهدف مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات الدينية المتطرفة ، وهذا ما تجيزه وتسمح به المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية   في حالة الطوارئ التي تهدد حياة الأمة  فتتخذ الدولة في هذه الحالة الصعبة تدابير تتحرر بها من التزاماتها الدولية الخاصة باحترام وتأمين وحماية حقوق الإنسان  باستثناء الحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة أمام محكمة محايدة تقبل أحكامها الطعن أمام سلطات قضائية عليا.
إن الإشكاليات المطروحة اليوم في مجال تطبيق واحترام حقوق الإنسان هي مدى ملاءمة هذه الحقوق مع التشريع الداخلي للدول ومع عادات وتقاليد المجتمع، وبعبارة أخرى تنافر القوانين الداخلية مع ما يصطلح عليه (حقوق الإنسان الكونية)، فرغم أن الدستور المغربي يؤكد في ديباجته على تشبت المملكة المغربية بحقوق الإنسان  كما هي متعارف عليها عالميا  فإنه يتحفظ على بعض البنود  لكونه يتميز بخاصيات تفرضها الشريعة الإسلامية  ، ففي مجال المرأة مثلا فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على المساواة التامة بين الرجل والمرأة ، لكن في الإسلام يستحيل تحقيق هذه المساواة التامة في بعض الحالات ، فمثلا لا يمكن للمرأة التمتع بإمامة الجمعة وإمامة الجماعة و لا وجود لمساواة الجنسين فيما يخص الارث  لأن  المرأة لا يمكن لها أن تأخذ إلا نصف ما يستحقه الرجل من الإرث  كما لا يجوز لها الزواج بغير المسلم ، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن حق الحياة ويمنع عقوبة الإعدام حتى بالنسبة للعصابات الإجرامية والمجرمين، الذين يقتلون الناس بغير وجه حق، خلافا للشريعة الإسلامية التي تنص على القصاص من المجرم القاتل وإعدامه ، وهذا الاختلاف في المفاهيم وفي التشريع يعتبره أنصار حقوق الإنسان أمرا غير عادل وانتهاكا للمبادئ الإنسانية. ولا ننسى أن أصحاب إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 هم الذين احتلوا مصر بقيادة نابليون وقسموا الوطن العربي إلى دويلات مصطنعة ، ولا ننسى أن هيئة الأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي اعترفت فيه بدولة (إسرائيل) وأنكرت حق الشعب الفلسطيني في الوجود فأصبح مشردا بلا أرض و لا  وطن ولا هوية.
ولهذا يجب الانتباه  إلى مفهوم الحقوق والحريات التي تطبق بمعيارين ومكيالين، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية متزعمة حقوق الإنسان في العالم  يشجعون الانقسامات في الوطن العربي و يضربون حصارا اقتصاديا على الشعب الفلسطيني لتجويعه  ولا يعترفون بحق هذا الشعب في إقامة دولته المستقلة، حتى أن امريكا انسحبت من منظمة اليونيسكو لمجرد قبول فلسطين عضوا في هذه المنظمة.
ومع تزايد الإفراط والمبالغة في احترام حقوق الإنسان وما عرفته الساحة الدولية، بعد 11 سبتمبر ومع تنامي ظاهرة الإرهاب وظهور التطرف الديني بدأت الدول الغربية نفسها تسن قوانين جديدة تحد من الحقوق والحريات وتسمح بالتجسس على الهواتف وتحديد موقع الشخص ومكالماته الهاتفية ورسائله عبر
SMS ، كما قامت الدول الغربية بالحد من الهجرة، وبالتالي الحد من حق الفرد في التنــــقل من بلد إلى آخر، خلافا للإعـــــلان العالمي لحقـــوق الإنسان الذي ينص في مادته 13 على « حق كل فرد في التنقل بكل حرية واختيار محل إقامته داخل أي دولة ». وبدأت الدول الغربية تتعــامل مع حقوق الإنسان بصرامة وحذر شديدين لأن هذه الحقوق الرائعة والجميلة إذا وقع الإفراط  فيها فقد تتحول إلى فوضى ومآس انسانية، بل يجب أن تقابلها واجبات الإنسان وإلا فسوف تعم الفوضى في المجتمع لعدم توازن الحقوق والواجبات، فالإنسان الذي يطالب بالحرية يجب عليه أولا أن يحترم حرية الآخرين . والإنسان الذي يطالب بالرعاية الصحية يجب عليه أن يحافظ على نظافة البيئة و احترام السلامة الصحية و في المقابل يجب على الدولة أن لا تقوم بأعمال تعسفية ضد المواطنين ، والذي يطالب بالأمن يجب عليه ألا يعتدي على السلامة الشخصية للآخرين، وإلا فسيقع الاختلال في المجتمع. 
إن حقوق الإنسان التي نحن مطالبين باحترامها يجب غربلتها وأخذ ما يتلاءم مع واقعنا وترك ما يخالف هويتنا و مجتمعنا ، «  لكم دينكم و لي ديني
».

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.