صحيح أن “اتحاد المغرب العربي” كيان سياسي لا يكاد يوجد إلا على الورق، لكنه ولد عام 1989 في مراكش مثل حلم تتوارثه الأجيال، وذلك بفضل قيادات سياسية أقل ما يقال فيها إنها لم تضيع البوصلة واحترمت إرادات شعوبها، وإن تباينت المواقف والنوايا آنذاك.
اليوم، تعصف الخلافات بهذا الكيان الهش أصلا، إذ لا تكاد تُطمر أزمة إلا وتطل برأسها أزمة أخرى، مما حدا بأمينه العام، الباحث الجامعي والمناضل النقابي التونسي الطيب البكوش، إلى القول في بيان له نشر إثر تعكر العلاقة بين المغرب وتونس: في هذا الوقت الذي سعینا فیه لنصح تونس بالقیام بمبادرة صلحیة إثر قطع العلاقات بین الجزائر والمغرب، ثم لعقد خلوة مغاربیة بين وزراء خارجية الدول المغاربية والأمین العام لصالح الحل السیاسي في لیبیا، نرى بكل أسف وألم فرصة أخرى تهدر وتغیب فیها المبادرة بمناسبة انعقاد القمّة الیابانیة – الأفریقیة الثامنة بتونس.
هكذا، وبكل تلك البساطة التي تصنعها المفارقات، “تُعقد قمة لإلغاء قمة” أي أن هذا اللقاء الياباني – الأفريقي كان الأجدر به أن يجمع الأشقاء المغاربيين ضمن دائرة موسعة، فإذا به يعمّق الخلاف بينهم، وذلك بسبب خطأ تونسي يتجاوز مجرد “الأعراف البروتوكولية” كما يحاول أن يسوّق له التبريريون من مساندي الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي استقبل إبراهيم غالي قائد جبهة بوليساريو الانفصالية.
لو كان الرئيس التونسي قد اكتفى بإرسال ممثل عن وزارة الخارجية للترحيب بزعيم جبهة بوليساريو، لكان رد الفعل المغربي أقل حدة. لكن هذا الترحيب ـ وبحسب مراقبين ـ هو أكثر إثارة للدهشة، لأن تونس لم تعترف أبدا بالجمهورية الصحراوية الوهمية.
ترى، ما الذي حدا بدولة عرف عنها الاعتدال والحياد في سياستها الخارجية، إلى المجازفة بعلاقتها التاريخية مع المغرب؟
كل شيء كان على ما يرام في علاقة تونس بالمغرب ذات الدبلوماسية الأفريقية النشطة، لاسيما وأن التبادل التجاري يميل إلى مصلحة تونس من ناحية تصدير التمور ثم إن التنسيق السياسي كان حاضرا منذ الزعيمين الحبيب بورقيبة والحسن الثاني في ستينات القرن الماضي التي شهدت بدايتها استقلال الجزائر، وبدأت محاولات الأخيرة إدخال تونس في مناطق نفوذها.
لم يفارق وهم القوة الإقليمية العظمى رؤوس جنرالات الجزائر منذ ذلك الحين، بما في ذلك حلم الإطلالة على المحيط عبر الصحراء المغربية.. وبدأت الأجواء تتكدر، والأمزجة السياسية تتعكر.
ولأن الأنظمة العسكرية عادة ما تصدر مشاكلها الداخلية عبر افتعال أزمات خارجية واستدعاء بعبع العدو المتآمر، فإن نظام الحكم في الجزائر قد أبقى على قضية الصحراء جرحا نازفا في خاصرة بلاد المغرب العربي، ومنع الأمور من أن تجنح للسلم والاستقرار في أقطار هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية في العالم.
وفي إطار هذا السياق زيّن حكّام الجزائر للرئيس قيس سعيد، كل فعل من شأنه أن يستفز المغرب، مقابل تلك الشعارات المنتفخة من قبيل: تونس هي الشقيقة الصغرى، ندعمها في أزماتها ونساعدها على تخطي المصاعب، وغير ذلك من خطاب لم تثبت صحته على أرض الواقع.
وكان الأجدر بسياسيي تونس ومؤيدي الرئيس سعيد أن يسألوا أنفسهم: كيف يساعدنا من لا يملك القدرة على مساعدة نفسه؟ وذلك أمام جملة مشاكل بالجملة تعاني منها الجزائر، ولا يملك حكامها الجرأة في مواجهتها إلا بالقول للشعب إن كل هذه البلاوي تأتينا من الخارج.
وبالعودة إلى ما أقدم عليه الرئيس التونسي من استقبال مبالغ فيه لزعيم الجبهة الانفصالية، فإن هذا المنزلق التونسي الخطير تقف خلفه إملاءات وإيحاءات مردها محاولات جزائرية لكسب الرئاسة التونسية إلى صفها ضد المغرب.
الآن، وقد نجحت الجزائر في تسميم الأجواء بين المغرب وتونس، وارتاحت لدورها في تخريب العلاقة التونسية – المغربية، يأتي السؤال: ثم ماذا؟ ماذا ستستفيد الجزائر من هذا وأي فائدة لدول الاتحاد المغاربي الذي تتباهى بدعمه في العلن، وتخريبه وتفكيكه في السر.
وفي هذا الإطار، توقعت صحيفة “لوموند” الفرنسية، استمرار البرودة في العلاقات المغربية – التونسية، ونقلت الصحيفة عن المؤرخة صوفي بيسيس بأن رفض المغرب المشاركة في التيكاد (القمة الثامنة للمنتدى الاقتصادي الياباني – الأفريقي) سيضر بتونس أكثر لأن المغرب لديها دبلوماسية أفريقية نشطة للغاية، على عكس تونس.
وانتقدت أحزاب وأصوات تونسية من الوسط الثقافي ما أقدم عليه الرئيس سعيد، معتبرة أن ما أقدم عليه يعد “استفزازا لبلد تربطنا به علاقات تاريخية، وأن استقباله للزعيم الانفصالي هو بمثابة الارتماء في أحضان جنرالات الجزائر والائتمار بأوامرهم”.
المغرب الذي ساند تونس في قضايا عديدة، وأدى ملكه زيارة تاريخية سنة 2014 وتجول بمفرده في أسواقها وسط حفاوة متميزة، تستحق من تونس كل الاحترام.. ولا يمكن لتونس أن تبالغ في مغازلة الجارة الغربية التي كثيرا ما تقطع عنها المياه بواسطة السدود القريبة من الحدود.
حكيم مرزوقي
كاتب تونسي