حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
التصريح العلني الصادرعن وزيرالعدل :” ولدي باه لاباس عليه قراه في الخارج ” قد يفهمه عامة الناس البسطاء أنه حكرة وطغيان و كبرياء و تجاوزالحدود المفرط ، لكن في مفهومه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فهو يعبرعن واقع الصراع الطبقي الذي تحدث عنه “كارل ماركس” يشرح فيه نطاق واسع من الظواهرالاجتماعية بما في ذلك الثورات والثروة والفقر والتمييزالعنصري وتنسب اليها معظم التطورات في تاريخ الانسان مثل الديمقراطية والحقوق المدنية الى المحاولات الرأسمالية للسيطرة على العامة بدلا من الرغبة في النظام الاجتماعي القائم على المساواة في توزيع الثروات وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، وتدورالنظرية حول مفهوم عدم المساواة الاجتماعية في تقسيم الموارد وهي تركز على الصراعات القائمة بين الطبقات في المجتمع ،عاش كارل ماركس في القرن 19 وكانت وقتها أنكلترا مكونة من طبقتين العمال والرأسماليون ، وكان الرأسماليون يمتلكون و يحتكرون معظم وسائل الانتاج في البلاد و كان للعمال فقط جهدهم و تعبهم و كان الصراع هنا بين الرأسماليين الذين يريدون تشغيل العمال وجهد العمال و تعبهم بأقل تكلفة ممكنة و بين العمال الذين يسعون جاهدين للحصول على أجورهم الضعيفة التي تسد رمق عائلاتهم مقابل جهدهم وعملهم لدى الرأسماليين وهنا كان الرأسماليون يشعرون بأنهم يعطون العمال حقوقهم و في نفس الوقت كان العمال يشعرون بأنهم مظلومين، وتقول نظرية الصراع الطبقي التي وضعها كارل ماركس أن المجتمع في حالة صراع دائم بسبب المنافسة على الموارد وتؤكد أن النظام الاجتماعي يطبق من خلال الهيمنة والقوة بدلا من الاجتماع والتوافق، وفقا لهذه النظرية فان أصحاب الثروة والمال والسلطة يحاولون الحفاظ على هذا النظام الاجتماعي المختل غيرالمتوازن بكل الوسائل الممكنة وبشكل خاص من خلال قمع الطبقة الفقيرة والضعيفة بجميع الوسائل وتتمحور الفرضية الأساسية لنظرية الصراع الطبقي حول أن الأفراد والمجموعات داخل المجتمع يعملون لزيادة مصالحهم الشخصية.
ويظهر أن تصريح وزيرالعدل الذي يقول فيه :” أنا ولدي باه لاباس عليه قراه في كندا” ينطبق على ما قاله العلامة عبد الرحمان الكواكبي في كتابه تحت عنوان طبائع الاستبداد:” فكما أنه ليس من مصلحة الوصي أن يبلغ الأيتام سن الرشد كذلك ليس من مصلحة المستبد أن تتنورالرعية بالعلم والمعرفة ” كما يدل كذلك على أن الوزير تحور من مناضل يساري في بداية مشواره السياسي كمدافع عن الطبقة العاملة والفقيرة الى مدافع عن النظرية الرأسمالية التي لا تعترف بالمساواة و تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الوطن، وهذا يعني أنه لتحقيق النجاح من الأفضل أن تولد غنيا من عائلة ثرية أكثر من أن تكون ذكيا، هذا ما قاله وأكده “أنتوني كارنيفال” مدير مركز “جورج تاون” في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أضاف يقول :” أن الأشخاص الموهوبين الذين ينتمون الى أسر فقيرة ومعدمة لا ينجحون في حين أن أبناء الأغنياء يتفوقون في دراستهم لأن العائلات الغنية تستخدم رأس مالها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لضمان بقاء أطفالها في المقدمة”، هذا يحدث في الدول الرأسمالية التي يتحكم فيها رجال المال والأعمال المنتمين الى الطبقة البرجوازية المسيطرة على الثروات والتي تستخدم نفوذها السياسي والمالي لاضطهاد الطبقة الفقيرة والطبقة العاملة ولا تعترف بحقوقهم في جميع مجالات الحياة ومنها الحق في التعليم والحق في ولوج المناصب والوظائف في الدولة. ولقد أسهمت التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب في ظهور نخبة انتهازية منفعية أصبح تموضعها في المناصب الحكومية يحتل جيزا كبيرا في الهرم السياسي المغربي وأصبح نفوذها يتزايد بشكل مخيف و مقلق مقابل تراجع النخبة السياسية والمناضلين الحقوقيين، فهذه النخبة الانتهازية السياسية مصلحية تغتنم الأوضاع السياسية المتاحة وتطبق في معاملاتها ما قاله “ميكيافيلي” في كتابه ” الأمير” : السياسة لا تعني شيء سوى اغتنام الفرص المواتية والغاية تبررالوسيلة، للاستفادة الأنانية من الظروف المتاحة مع عدم المبالاة بعواقب هذه الممارسات الدنيئة التي ستعود بالضررعلى البلاد بكاملها لأنها سلوك انتهازي هدفه توزيع الغنائم التي تأتي من الانتخابات الشكلية والريع السياسي و حرمان غالبية المواطنين من حقوقهم المشروعة وأهمها الحق في التعليم المجاني والحصول على الوظائف دون تمييز كما تنص على ذلك المواثيق الدولية و منها ما جاء في المادة 7 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على المساواة بين جميع أفراد المجتمع رجالا ونساء في التمتع بحقوق الانسان و بكرامة الفرد وقدره. ولقد أدت سياسة رجال المال والأعمال الى التحول من دورالدولة الاقتصادي والرعائي الى انهيارالوضع المعيشي للمواطنين لمختلف الفئات الشعبية ما أدى الى تعميم حالة الفقر والاحباط بالنسبة للشباب الذين اختاروا الهجرة الى الخارج في حين أن بلادهم غنية بالثروات الطبيعية الهائلة، هذا الوضع هو الذي أدى الى حدوث انفجارات شعبية تمظهرت في تحركات احتجاجية في الشارع ليس في المغرب فحسب و لكن في دول عربية أخرى تحكمها نخب سياسية انتهازية وعسكرية اتخذت شكل انتفاضات شعبية هادئة استطاع بعضها تغييرالنظام السياسي كما حدث في السودان و تونس، هذه الاحتجاجات تعبر عن تفاقم الصراع الطبقي بعد صعود رجال المال والأعمال والليبراليين الى السلطة كما وقع في المغرب حيث نهبوا الاقتصاد و ما فوق الأرض و ما في باطنها وارتبطوا بالدول الامبريالية لجلب القروض والمساعدات التي أغرقت البلاد في الديون الأجنبية و ما يترتب عن ذلك من مشاكل اجتماعية مثل الفقر و انتشار ظاهرة التسول و انعدام المرافق الصحية وغياب السكن وتدني مستوى التعليم على مختلف درجاته و في نفس الوقت اتجهت الدولة نحو خوصصة هذا القطاع الحيوي وهذا ما عبرعنه صراحة وزيرالعدل المنتمي الى الحزب الليبرالي بقوله : “أنا ولدي قرا بالفلوس في الخارج” فهذه الأوضاع السياسية تؤدي الى تكريس التخلف وتعميقه وانتشارالفساد في جميع قطاعات الدولة وما ينتج عنه من عواقب سلبية على مؤسسات الدولة وأخطرأنواع الفساد هوالفساد القضائي الذي يفضي الى ضياع حقوق وحريات المواطنين ويعرقل عمل القضاء والمحاماة ويدمر أسس الدولة لأن القضاء أساس الملك فاذا أردت هدم أسس دولة معينة فما عليك الا أن تنشر الفساد في القضاء. وتفاقمت مشاكل المواطنين في المغرب مع صعود رجال المال و الأعمال الى السلطة على اثرانتخابات صورية وشعورالمواطنين بتزايد وطأة ظاهرة الاستغلال و صعوبة العيش في الاوضاع الحالية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة يسعى لوبي الفساد الى قمع القوى الديمقراطية و شل حركتها لتبقى الجماهير معزولة عن طليعتها ولا يمكن عزل تصريحات وزيرالعدل المنتمي الى الحزب الليبرالي عن مفهوم الصراع الطبقي الذي يعيشعه المغرب منذ عقود من الزمن. و في ظل هذه الفضيحة و ما ترتب عنها من احتجاجات شعبية لم يتحرك البرلمان المغربي لاتخاذ القرار المناسب لمصلحة الشعب المغربي في حين نجح البرلمان في دول عديدة في اقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبارمن مناصبهم بسبب تهم الفساد و تصريحاتهم و تصرفاتهم التي تسيء الى سمعة البلاد في حين اضطر أخرون الى تقديم استقالاتهم طوعيا خوفا من المحاسبة والمحاكمة كما قررت بعض الشخصيات السياسية الانسحاب من المعارك الانتخابية لمجرد شبهة تناولتها الصحافة كما فعل “فرانسوى فيون” الذي كان مرشحا لرئاسة الجمهورية في فرنسا ضد “نيكولا ساركزي” فأعلن عن انسحابه من الانتخابات بسبب اثارة الصحافة لمجرد شبهة ضده والتي أغرقته بسيل من الوحول فتراجع عن المشاركة في الاستحقاقات الرئاسية ضد ” نيكولا ساركوزي” لحفظ كرامته، كما أن رئيس الوزراء الفرنسي السابق” بيار بيروغوفوا ” في عهد الرئيس ” فراسوا ميتران” انتحر بعدما تم الكشف عن تورطه في فضيحة مالية، و بعد أن انفجرت فضيحة الرئيس الفرنسي السابق”جيسكارديستلن” المتعلقة بحصوله على جواهر ثمينة من أمبراطورافريقيا الوسطى “بوكاسا ” انسحب نهائيا من الحياة السياسية كما أن وزير الاسكان “بولان” في حكومة ” جيسكار” انتحر بسبب فضيحة تسجيل أراضي عقارية في اسم زوجته ، و في اليابان انتحر وزير الزراعة ” توشيكاتسو ماتسوكا ” بعد أن شنق نفسه قبل مواجهته استجوابا أمام لجنة برلمانية و كان قد تعرض لانتقادات بسبب فضائح تورطه في التلاعب بمناقصات خاصة بمشاريع للأشغال العامة ، و في سنة 1974 اضطر الرئيس الأمريكي”ريتشارد نيكسون” الى تقديم استقالته من منصبه خوفا من أن توجه اليه تهمة التسترعلى نشاطات غير قانونية لأعضاء حزبه الجمهوري في فضيحة ” واترغيت” تحت وطأة تهديد الكونغس كما تعرض الرئيس الأمريكي ” هاري ترومتن ” للعديد من الانتقادات خلال عهدته خاصة في انتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 1948 و فضيحة سقوط شبكات الشيوعية داخل ادارته و ظهور بوادر للفساد والتي كانت قضية جوهرية أثرت في تدني شعبيته و عدم دخوله للانتخابات لفترة ثالثة كما أثرت هذه الفضائح على الحملة الانتخابية الرئاسية للمرشح الديمقراطي و خليفته ” أدلاي ستيفنسون” في سنة 1952 مما أدى الى خسارته أمام المرشح ” دوايت أيزنهاور” و في سنة 2007 استقال الرئيس الاسرائيلي ” موشي كاتشاف” من منصبه بعد اتهامه بالتورط في فضيحة اعتداء جنسي و في سنة 2000 استقال كذلك الرئيس الاسرائيلي ” عيزرا وايزمان ” من منصبه بعد فضيحة تهرب ضريبي و فساد و نجح البرلمان في دول عديدة في اقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبار من مناصبهم و أجبر أخرون على تقديم استقالاتهم طوعا خشية بدء اجراءات التحقيق والمحاسبة والاقالة و كانت رئيسة كوريا الجنوبية “بارك غون هاي” أخر اسم أسقطه البرلمان بتأيد من المحكمة الدستورية في 10 مارس 2017 ، و في سنة 2016 استطاع أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان في البرازيل اقالة الرئيسة “ديلما روسيق” بتهمة التلاعب بالحسابات العامة على اثر اجراءات طويلة أثارت جدلا كبيرا و في فنزويلا قام البرلمان بتعليق مهام الرئيس ” كارلوس أندريس بيريز” المتهم باختلاس أموال والاثراء غير المشروع و في الاكوادور تمت اقالة الرئيس “عبد الله بوكرم” من منصبه بسبب اختلاس أموال و في البرازيل عام 2005 وجهت تهم الى الرئيس” لوسيو غوتيريز” بتعيين أقرباء له من العائلة في المحكمة العليا و بسسب هذه التهمة أصدرالبرلمان قرارا باقالته من منصب الرئاسة و في البيرو أقيل الرئيس “ألبرتو فوجيموري” من منصبه يوم 21 نوفمبر 2000 بتهمة الفساد و في أندونيسيا سنة 2001 وجهت تهمة الى الرئيس عبد الرحمان و حيد بعدم الأهلية وارتكاب جرائم فساد ، و في ليتوانيا اقيل الرئيس” رولانداس باكساس” من منصبه سنة 2004 بسبب انتهاك خطير للدستور و مخالفة القسم الدستوري لأنه منح الجنسية الليتوانية لرجل أعمال من أصل روسي كان قد دعمه في الانتخابات الرئاسية لكن في المغرب للأسف فان البرلمان الذي يزعم أعضاؤه أنهم منتخبين من طرف الشعب والذين يتقاضون رواتب أكثر من رواتب برلمانيين في دول أوروبية ظلوا صامتين لم يصدر عنهم أي رد فعل دفاعا عن مصلحة المواطنين كما أن المفسدين الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب العمومية عادوا من جديد الى كراسي السلطة ليسرقوا من جديد ،هذه وضعية خطيرة لا وجود لها في الدول الديمقراطية التي تحترم ارادة شعوبها و لا تسير في الاتجاه المعاكس لارادة مواطنيها. و مما لا شك فيه أن بقاء المفسدين في مناصب سياسية يقوض كل أهداف خطط التنمية طويلة و قصيرة الأمد واهدار موارد الدولة و هروب الاستثمارات سواء وطنية أوأجنبية لغياب حوافزها كما يؤدي الى الاخلال بالعدالة التوزيعية للدخل والموارد واضعاف الفعالية الاقتصادية واتساع الهوة بين الفئات الفقيرة والغنية و تدمير هبة الدولة و مؤسساتها.