دي ميستورا – جنوب أفريقيا.. ولعبة بعثرة الأوراق

admin
كتاب واراء
admin9 فبراير 2024آخر تحديث : منذ 3 أشهر
دي ميستورا – جنوب أفريقيا.. ولعبة بعثرة الأوراق

استبق المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا تولّي المغرب رئاسة مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي بالقيام بزيارة إلى دولة جنوب أفريقيا، في خطوة وُصفت بغير البريئة لاعتبارات مُرتبطة بتوقيتها وبالأجندة السياسية لجنوب أفريقيا تجاه قضية الصحراء المغربية.

وأنهى دي ميستورا هذه الزيارة التي بدأها يوم الأربعاء الماضي دون أن يُقدم إحاطة حول نتائج الاجتماعات التي أجراها مع عدد من كبار المسؤولين منهم وزيرة الخارجية ناليدي باندور، ولا الأسباب التي دفعته إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات.

ودفعت هذه الزيارة العديد من المراقبين إلى القول إنها تؤسس لسابقة خطيرة من شأنها بعثرة الأوراق، باعتبارها لا فقط تتناقض مع طبيعة مهمته الأساسية وتتجاوز الأطراف المعنية مباشرة بملف الصحراء المغربية، وإنما أيضا لأنها لا تخلو من الحسابات السياسية ضمن إطار لعبة التوازنات الإقليمية

وبدا دي ميستورا من خلال هذه الزيارة كأنه لم يتعظ من تجربته الفاشلة في سوريا عندما انحاز لطروحات أطراف دون غيرها، في سياق لعبة توازنات لم تأخذ بعين الاعتبار المعادلات التي كانت تتغير بسرعة على وقع الانعطافات السياسية والعسكرية الميدانية التي عرفها الملف السوري.

وبغض النظر عما إذا كان دي ميستورا يُدرك أبعاد هذه الزيارة وتداعياتها أم لا، فإن دولة جنوب أفريقيا التقطت اندفاعه غير المحسوب لتوظفه ضمن إطار أجنداتها الإقليمية، عبر استخدامه لبعثرة أوراق التوازنات الجديدة التي قد يفرضها المغرب خلال رئاسته لمجلس الأمن الأفريقي.

ويتضح ذلك جليا من خلال لجوء جنوب أفريقيا إلى إحاطة هذه الزيارة بالكثير من الغموض، حيث التزمت الصمت، ولم تُعلن عن مُخرجاتها، كما لم تكشف عن المحاور التي تم التطرق إليها، واكتفت بالإشارة في بيان صادر عن وزارة الخارجية إلى أن الزيارة كانت “مفيدة”.

وبهذه الإشارة التي عمقت التساؤلات، تكون جنوب أفريقيا قد تجاهلت عن قصد الضجيج الذي أثارته هذه الزيارة على أكثر من مستوى، وسط جدل مازال متواصلا إلى غاية الآن في عدد من العواصم، لم تُبدده تصريحات الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك التي سعى فيها إلى تبرير هذه الزيارة.

وفي هذا التبرير، قال ستيفان دوجاريك إن دي ميستورا “يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، فهذا جزء من ولايته”، غير آبه بأن تلك الزيارة تأتي في وقت يتسم بتصادم حاد في المقاربات بين المغرب وجنوب أفريقيا بخصوص ملف الصحراء المغربية.

ورغم أن هذا التبرير بدا غير مُقنع لمجمل المتابعين لتطورات ملف الصحراء المغربية، فإن ذلك لا يمنع من القول إن جنوب أفريقيا باستقبالها دي ميستورا في هذا التوقيت بالذات إنما تُسجل بذلك موقفا تُريد من خلاله إعادة ترتيب الأولويات، في مسعى لإحداث اختراق في المعادلات القائمة.

وعليه، يذهب العديد من المراقبين إلى القول إن ما أقدمت عليه جنوب أفريقيا إنما هو محاولة لتوظيف دي ميستورا لخدمة أجنداتها الإقليمية بحثا عن دور مّا في ملف يهم مباشرة وحدة الأراضي المغربية، رغم أنها لا تُخفي موقفها المنحاز في تناقض واضح مع توجهات مجلس الأمن الدولي بخصوص هذه الملف.

ووفقا لمعايير هذا الموقف الذي يجعل جنوب أفريقيا غير مؤهلة للمساهمة في إيجاد حل سياسي يُنهي هذا النزاع المُفتعل، تبدو الحسابات السياسية لجنوب أفريقيا مُرتبطة بشكل أو بآخر بعاملين اثنين، أولهما داخلي وله علاقة بالاستحقاق الانتخابي المبرمج خلال العام الجاري، والثاني إقليمي وله صلة برئاسة المغرب لمجلس الأمن والسلم الأفريقي.

وإذا كان العامل الأول له ما يُبرره بالنظر إلى الصعوبات التي تُواجه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي بات يخشى فقدان غالبيته البرلمانية وبالتالي الاحتفاظ برئاسة البلاد، فإن العامل الثاني يبدو أكثر ضغطا باعتبار أن المعادلات التي كانت تحكم التوازنات السياسية في أفريقيا قد تغيرت وتجاوزتها الأحداث.

وعلى هذا الأساس، لا شك أن دولة جنوب أفريقيا تُدرك جيدا أن نجاح المغرب في فرض رؤيته ومقارباته على الصعيد الدولي قد يساعده خلال رئاسته لمجلس الأمن والسلم للاتحاد الأفريقي على تفكيك عناصر الملفات الأكثر إشغالا لأفريقيا، بما قد يُفقدها الكثير من الأوراق التي كانت تُلوح بها لضمان استمرار دورها الإقليمي.

ونحسب أن هذه القراءة التي تدفع بها العديد من مراكز الدراسات ودوائر التحليل الجيوسياسي الدولية كانت المُحرك الرئيسي الذي دفع جنوب أفريقيا إلى استقبال دي ميستورا تزامنا مع تولي المغرب رئاسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي، ليس فقط للتشويش على هذه الرئاسة، وإنما أيضا لإحداث ضجيج قد يتواصل في قادم الأيام بعناوين مُخادعة.

وكان المغرب قد استلم في بداية الشهر الجاري رئاسة مجلس الأمن والسلم للاتحاد الأفريقي، في الوقت الذي وصل فيه دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا، حيث ستتواصل هذه الرئاسة طيلة هذا الشهر، وسط انتظارات بأن الدبلوماسية المغربية الهادئة ستتمكن خلالها من فرض معاييرها على مختلف المستويات، والاعتبارات السياسية التي تتحكم بمفاعيل الوضع في أفريقيا.

ويُنتظر في هذا الإطار، أن يعمل المغرب خلال رئاسته لمجلس الأمن والسلم الأفريقي على إعادة إنتاج المشهد الأفريقي على ضوء تطورات الأوضاع وفق شروط موضوعية، تمكّنه من التعاطي مع أزمات القارة ومشاكلها السياسية والأمنية والعسكرية بواقعية سياسية تقوم على الاعتدال، دون أن يتجاهل المتغيرات المتسارعة وما ستُفرزه من احتمالات قد تكون ضاغطة.

وفي هذا الصدد، أعلن المغرب عن جملة من الأنشطة التي يعتزم القيام بها خلال فترة رئاسته لمجلس الأمن والسلم الأفريقي، التي سيتم خلالها عقد القمة الـ37 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، فستأخذ بعين الاعتبار الأهداف الكبرى لرؤيته لأفريقيا.

وتشمل هذا الأنشطة التي جاءت في برنامج عمل متكامل، عقد اجتماع وزاري لمجلس الأمن والسلم حول موضوع “الربط… السبيل نحو تعزيز السلم والأمن والاندماج بأفريقيا”، وذلك في متابعة لمؤتمر طنجة حول تعزيز الارتباط بين السلم والأمن والتنمية الذي نظمه المغرب في 27 أكتوبر 2022.

كما يتضمن هذا البرنامج عقد سلسلة من الاجتماعات الأخرى للممثلين الدائمين بمجلس الأمن والسلم الأفريقي لبحث المواضيع التي تحظى بالأولوية في أفريقيا، منها المسائل المرتبطة بمكافحة الإرهاب والتطرف، والأمن الصحي وعلاقته بالسلم والأمن، وتعزيز السلام، والتصدي لتجنيد الأطفال، إضافة إلى كل الركائز الأساسية الأخرى التي من شأنها تحقيق الأمن والتنمية في أفريقيا.

ومن هذا المنطلق، لا تبدو رئاسة المغرب لمجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال الشهر الجاري مجرد إجراء لسد الفراغ، أو محكومة فقط بتطورات ملف الصحراء المغربية والدفاع عن وحدته الترابية، بل يفرضها شعور مسؤول متزايد بأهمية العمل من أجل المساهمة الفعالة في بناء مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا لأفريقيا يرتكز بالأساس على مبادئ الحوار وحسن الجوار.

لذلك ستبقى زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا وما انطوت عليه من نتائج ضمن دائرة تلك القراءات الموضوعية المشار إليها سابقا، ولا يمكن البناء عليها رغم ما أحدثته من تشويش، باعتبار أن المغرب راكم منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي في 30 يناير 2017 العديد من المكاسب التي عززت دوره الريادي في أفريقيا.

الجمعي قاسمي

صحافي تونسي

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.