الطيب حمضي
قبل اليوم، من كان يتصور أن يموت ضمير الإنسان إلى حد دعمه الأعمى او بالتواطؤ بالصمت القاتل والمشاركة المباشرة او الغير مباشرة في قتل شعب بأكمله، بأطفاله ونسائه ومرضاه، والمشاركة في التطهير العرقي والإبادة والتهجير ألقسري، والمشاركة في التجويع وقطع مياه الشرب، والمشاركة في تدمير المستشفيات على رؤوس المرضى والأطر الطبية؟
هذا ما يقع اليوم أمام أعين العالم في القرن الواحد والعشرين، في عصر مفاهيم، كان يظنها عامة الناس صادقة، ومنها: كونيةُ القيم الإنسانية وكونيةُ حقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والأمم المتحدة وغيرها.
هناك أساطير إسرائيلية تعمل على شل التفكير والمنطق الإنسانيين السليمين وتمنعهما من رؤية الظلم والإحساس بفظاعته، بل البحث له عن مبررات واهية.
الأسطورة الأولى: التاريخ بدأ يوم 7 أكتوبر وانتهى يوم 7 أكتوبر.
يوم 7 أكتوبر، سبقته 75 سنة من الاحتلال والقتل والتهجير والمجازر التي ارتكبتها عصابات الهاجاناه والأرجون وشتيرن وغيرها من العصابات بأساليب إرهابية لتأسيس إسرائيل، وبعدها مجازر اقترفتها الحكومات الإسرائيلية. من مجزرة دير ياسين في القدس أبريل 1948، ومجزرة الطنطورة في حيفا مايو 1948، ومجزرة كفر قاسم أكتوبر 1956، ومذبحة الأقصى الأولى أكتوبر 1990، ومذبحة الحرم الإبراهيمي فبراير 1994، ومجزرة قانا أبريل 1996، ومجزرة مخيم صبرا وشاتيلا شبتمبر1982، ومجزرة جنين أبريل 2002، ومجازر أخرى.
7 أكتوبر سبقته 56 سنة من احتلال غزة وتقتيل أهلها. سبقته 17 سنة من الحصار التام لقطاع غزة وتحويله إلى أكبر سجن مفتوح في العالم بسكان مساجين محرومين من الماء والغداء والماء والحركة والسفر، يقتلهم الاحتلال متى شاء وأمام كاميرات العالم ويهينهم كما يشاء.
وبعد 7 أكتوبر، الجيش الإسرائيلي يقتل كل يوم المئات من المدنيين ثلثاهم من الأطفال والنساء حتى صار الضحايا بعشرات الآلاف. قوات الاحتلال تسقط الأطنان من المتفجرات فاقت قوتها ضعفي قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما.
قتل المدنيين، مهما كانت الذرائع ومهما كان القاتل ولا المقتول هو أمر مروع ومُدان، لكن قتل المدنيين بهذا الحجم وبهده الفظاعة واستهدافهم هو أمر أكثر من مروع.
الأسطورة الثانية: حق الدفاع عن النفس… لتبرير الإبادة.
هل لدولة محتلة لأراضي غيرها حق الدفاع عن النفس، بينما أصحاب الأرض ليس لهم حق الدفاع عن النفس وأرضهم محتلة؟ إسرائيل تحتل أرض الفلسطينيين وتقوم بتقتيلهم يوميا وتجويعهم والتنكيل بهم وحبسهم، وتـهدم بيوتهم وتُصادر أراضيهم وتحرق محاصيلهم الزراعية وتَقتلع أشجار زيتونهم وتشردهم، وليس لهم حق الدفاع عن النفس؟ أظهرت أرقام الأمم المتحدة أنه فقط منذ 2009 إلى ما قبل أكتوبر 2023 قُتل 6407 فلسطيني، مقابل 308 إسرائيلي، أي بنسبة 20 قتيل فلسطيني مقابل قتيل إسرائيلي واحد. وجُرح 152 ألفا و560 فلسطيني مقابل 6307 إسرائيلي، أي بنسبة 25 جريح فلسطيني مقابل جريح إسرائيلي واحد.
الدفاع عن النفس حق مؤطر قانونيا من حيث الحيثيات والظروف والتناسب. بينما ما يمارسه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون المتطرفون هو حرب انتقامية وليس دفاع عن النفس وعقاب جماعي وإبادة لإخلاء الأراضي والسيطرة عليها وضمها، وهي ممارسات شنيعة وممنوعة، بينما حق المقاومة مكفول للشعوب المستعمَرَة.
الأسطورة الثالثة: كل انتقاد للحكومات الإسرائيلية هو معاداة للسامية.
لبعض الدول الغربية عقدة ذنب نحو اليهود بسبب ما مارسته النازية وشركائها من قتل وإبادة لأبرياء لا ذنب لهم إلا كونهم يهودا، عكس الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموما الذين لم يمارسوا هذه الجرائم بل تعايشوا مع اليهود وحموهم من هده الجرائم في الكثير من البلدان.
أكبر خطر يهدد اليهود سواء في إسرائيل أوفي العالم ويعرضهم للمخاطر هي الحكومات الإسرائيلية المتطرفة. وأكبر ضمانة لعيشهم في سلام واطمئنان وازدهار وتقدم هي أن تعمل إسرائيل بحل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب. ليس بوسع إسرائيل تغيير جيرانها، لكن بوسعها أن تعيش معهم وبينهم بأمن وسلام، وبوسعها أن تكون جزءا من تطور وتقدم المنطقة بدل البحث عن تدميرها، لأن في دلك تدمير لها. إذا جنحت الحكومات الإسرائيلية للسلام فذلك أفضل سبيل للأمن والسلام والتقدم لها وللمنطقة.
هل يمكن السماح بتكرار محارق جديدة تحت أعين العالم حتى ولو كان الضحايا هده المرة ليسوا يهودا بل فلسطينيين؟ هل يكفي أن تتغير ديانة الضحايا او جنسيتهم أو لون جلدهم لتصبح المحارق اليوم مقبولة بعد أن كانت بالأمس جريمة؟
الأسطورة الرابعة: النسخة الجديدة لأسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا ارض”.
في 1948 وقبلها بسنوات قامت جماعات إرهابية بمجازر في حق الفلسطينيين لتهجيرهم وإخلاء أرضهم التي الاستيلاء عليها وتغيير أسماء القرى والبلدات. تم وقتها تهجير أزيد من 650 ألف فلسطيني وتهجير وإخلاء أزيد من 400 قرية من سكانها. واليوم يتم تدمير غزة وتهجير سكانها وإبادتهم لاحتلال أرضهم بنفس أساليب الماضي بل أفظع. هو نفس ما يقع بالضفة الغربية بأسلوب الاستيطان. إسرائيل تريد أرضا بلا شعب بالحديد والنار.
بدل السلام وحل الدولتين، الحكومة الإسرائيلية تريد دولة واحدة هي إسرائيل التي لا حدود لها. والمفارقة أن إسرائيل لا تعترف بدولة إسرائيل!! فإلى اليوم ليس هناك أي إشارة لحدود دولة إسرائيل في القوانين الإسرائيلية.من جملة أسباب تلكؤ الحكومات الإسرائيلية في تبني دستور لها هو عدم رغبتها في الإشارة لحدود دولة إسرائيل!! حدودها هي كل ما استطاعت التهامه من أراضي فلسطين وسوريا والأردن ومصر والعراق والسعودية…
الأسطورة الخامسة: الدروع البشرية.
تدعي إسرائيل أن الجماعات الفلسطينية تتخذ المدنيين دروعا بشرية، لتبرير تدميرها كل شيء وقتل الجميع. لا فرق بين الأطفال والنساء والمساجد والكنائس والمستشفيات. كمثال حديث، مستشفى الشفاء بغزة الذي حاصره الجيش الإسرائيلي وقصفه ودمره وقتل من فيه حتى الأطفال الرضع بدعوى أن حماس تستعمل المستشفى كقاعدة عسكرية ومركز عمليات، حتى تخيل العالم أن تحت المستشفى قواعد عسكرية ومنصات لإطلاق الصواريخ وربما مطارات… وبعد تدمير كل شيء لم تجد القوات الإسرائيلية غير جثث الأطفال الخُدج وجثث المرضى الذين قتلهم القصف والحصار والحرمان من العلاج…
في المقابل، كلما أرادت إسرائيل السيطرة على أراضي الفلسطينيين تقوم ببناء مستوطنات جديدة، ثم تكبيرها، فطرق ومنشآت، فاعتداءات على الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم وبيوتهم، ثم تقوم بإلحاق الأراضي. هي سياسة استيطانية سرطانية، واستعمال للمستوطنات كدروع بشرية. سياسة سرطانية واضحة: إذا لاحظنا خرائط فلسطين من 1948 إلى اليوم وكيف تتمدد البقع الإسرائيلية وتبتلع الأراضي الفلسطينية. وسياسة سرطانية عن طريق المستوطنات التي تكون هي الأعراض الأولى لانتقال الاحتلال لمناطق جديدة. Metastases.
الأسطورة السادسة: إسرائيل واحة ديمقراطية وسلام في محيط متطرف همجي.
الأساطير الإسرائيلية تحاول نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين ليسهل عليها إبادتهم دون أزمة ضمير ولا مبالاة العالم. تعتبرهم إسرائيل مجرد حيوانات وتقدمهم للرأي العام الدولي بتلك الصفة، رغم أن الحيوانات نفسها لها الحق في الحياة.
في كل الدول هناك متطرفون، لكن في إسرائيل المتطرفون الأكثر تشددا هم الذين يقودون البلاد منذ مدة طويلة. وخلال الأسابيع الأخيرة يبرر نتنياهو العلماني حربه المقززة بمقتبسات من التوراة توددا للمتطرفين في تحالفه الحكومي. وفي فلسطين وفي الشرق الأوسط تقتل إسرائيل معسكر السلام وتشجع التطرف، لأن ذلك يخدم أجندتها في الابتعاد عن السلام وحل الدولتين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الفلسطينيون آمنوا بمسلسل السلام الذي ابتدئوه في أوسلو سنة 1993 بين ياسر عرفات وإسحاق رابين. بعد 30 سنة، من الواضح أن المتطرفين داخل إسرائيل استغلوا الاتفاقيات للمراوغة فقط والبحث عن ربح الوقت. من قتل قائدي مسلسل السلام؟ من قتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؟ أليس المتطرف رئيس حكومة إسرائيل أرييل شارون الذي حاصر عرفات بمكتبه في المقاطعة بالضفة الغربية ثلاث سنوات حتى اغتياله مسموما سنة 2004؟ ومن قتل رئيس إسحاق رابين شريك عرفات في اتفاقيات أوسلو؟ أليس متطرف إسرائيلي آخر هو قاتل يهودي اسمه إيجال عامير يوم 4 نوفمبر 1995؟ ماذا ربح معسكر الفلسطينيين الذين اختاروا وآمنوا بالسلام؟ مادا ربح معسكر العرب عموما الذين آمنوا بالسلام؟
الحكومة الإسرائيلية لا تحترم لا قانون دولي ولا قانون إنساني ولا تحترم سيادة الدول ولا تحترم أية قوانين، وهي تعلن ذلك بتهديدها بالاغتيالات في كل أنحاء العالم وفي دول ذكرتها بالاسم. ألا يعطي هدا مبررا للآخرين لمهاجمة وقتل القادة الإسرائيليين ومصالحهم في كل دول العالم؟ أليس هذا إرهابا؟
الأسطورة السابعة: الديمقراطيات الغربية تدعم الديمقراطية الإسرائيلية.
الديمقراطيات تتعاون على نشر القيم الإنسانية كونيا ولا تتكالب على قتل الشعوب وتهجيرها وإحراقها.
هل من الديمقراطية منع مظاهرات للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد قتله وحرقه وتجويعه؟ هل من الديمقراطية منع الناس من التعبير السلمي عن رأيهم وطردهم من وظائفهم بسبب تضامنهم مع شعب يتعرض للمجازر يوميا؟
هل دور الديمقراطيات الغربية هي الانسياق وراء الأساطير والبروباغندا الإسرائيلية ووضع بلدانها رهائن لدى إسرائيل تفعل بها ما تشاء؟ الم يقل جون بايدن رئيس أكثر دولة حليفة لإسرائيل جو أنه رأى صور أطفال قُطعت رؤوسهم قبل أن ينفي البيت الأبيض ذلك وينفي أن يكون الرئيس رأى صورا من الأصل وينفي وجود تلك الصور؟ قبل أن يتبين أن كل ذلك كذب ودعاية إسرائيلية مُنظَمة لتبرير الجرائم السابقة واللاحقة. هذا أكبر حليف تم التلاعب به وقدم شهادة زور. ألم تقل إسرائيل إن الفلسطينيين احرقوا الإسرائيليين، ليتبين أن الجثث المحروقة تعود لفلسطينيين أحرقتهم الدبابات الإسرائيلية وقتلت معهم حتى الإسرائيليين أنفسهم، الم تقتل المروحيات الإسرائيلية المواطنين الإسرائيليين حسب المصادر الإسرائيلية نفسها؟
إسرائيل ليست فوق القانون ولا فوق الأمم ولا فوق المحاسبة.
هي ليست ملاكا يمشي فوق الأرض. هي دولة يحكمها متطرفون يقودون بلادهم نحو الهاوية، ودور الديمقراطيات هو الوقوف في وجه هدا التطرف عوض دعمه او السكوت عن فطاعاته. مجاملة الظالم تزيد في طغيانه ونهاية الطغيان هو الهلاك.
إصابة بعض الضمائر بالتنويم والشلل والتواطؤ جعل دولا بأكملها رهينة لدى حكومة إسرائيلية متطرفة تتلاعب بها كيف ما شاءت، وفقا لمصالح إسرائيل وليس مصالح شعوب تلك الدول. هناك مصالح الدول الغربية في دعم دولة داخل الشرق الأوسط واعتبارها أكبر قاعدة أمريكية وغربية تراقب وتتحكم من خلالها في المنطقة الغنية بالطاقة ومحورا مهما للتجارة العالمية. ذاك ما يعبر عنه بعض الساسة الغربيين والأمريكيين منهم على الخصوص، بكون إسرائيل ضرورية للولايات المتحدة الأمريكية وان لم توجد إسرائيل كان من الضروري صُنعها من اجل مصلحة أمريكا. لكن ماذا عن الرأي العام والإعلام الأعمى عن رؤية الحقائق كما هي؟
الأساطير الإسرائيلية تجعل العالم يكيل بمكيالين، يتنكر للقانون الدولي، يتخلى عن القيم التي كان يعتبرها كونية ويحارب دولا بسببها، يتجرد من إنسانيته. يجعل نصف العالم فاقدا الثقة في النصف الأخر الذي فقد مصداقيته، آنذاك مرحبا بالفوضى المدمرة لأجيال قادمة.
الحل هو إقامة دولتين تعيشان جنبا لا إلى جنب في امن وسلام مما يسمح بتطور الدولتين وتقدم المنطقة بأكملها.
7 أساطير إسرائيلية تُجرد الإنسان من إنسانيته.
الأسطورة الأولى: التاريخ بدأ يوم 7 أكتوبر وانتهى يوم 7 أكتوبر.
الأسطورة الثانية: حق الدفاع عن النفس … لتبرير الإبادة.
الأسطورة الثالثة: كل انتقاد للحكومات الإسرائيلية هو معاداة للسامية.
الأسطورة الرابعة: النسخة الجديدة لأسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
الأسطورة الخامسة: الدروع البشرية.
الأسطورة السادسة: إسرائيل واحة ديمقراطية وسلام في محيط متطرف همجي.
الأسطورة السابعة: الديمقراطيات الغربية تدعم الديمقراطية الإسرائيلية.